ولما ذكر جزاء الكافرين وأشعر آخره بكونه إخزاء، ذكر جزاء المؤمنين المخالفين لهم فقال مستأنفاً مؤكداً لتكذيب الكافرين به :﴿إن للمتقين﴾ أي الراسخين في الخوف المقتضي لاتخاذ الوقاية مما يخاف فوقوا أنفسهم من سخط الله بما يرضيه من الأعمال والأقوال والأحوال ﴿مفازاً﴾ أي فوزاً وموضع فوز وزمان فوز بالراحة الدائمة من جميع ما مضى ذكره لطاغين الذين هم أضدادهم، وقد كشفوا أنفسهم للعذاب كل الكشف، ثم فسره أو أبدل منه على حذف مضاف أي فوز :﴿حدائق﴾ أي بساتين فيها أنواع الأشجار ذوات الثمار والرياحين لتجمع مع لذة المطعم لذة البصرة والشم، قد أحدقت بها الجدران وحوطت بها، قال ابن جرير : فإن لم تكن بحيطان محدقة بها لم يقل لها حديقة.
وخص أشجار العنب لطيبها وحسنها وشرفها وما فيها من لذة الذوق وعبر عن أشجارها بثمرتها إعلاماً بأنها لا توجد إلا موقرة حملاً وأن ثمرتها هي جل منفعتها فقال :﴿وأعناباً *﴾
٣٠٣
ولما ذكر المساكن النزهة المؤنقة المعجبة، ذكر ما يتمتع به وهو جامع لألذاذ الحواس : البصر واللمس والذوق فقال :﴿وكواعب﴾ أي نساء كعبت ثديهن ﴿أتراباً *﴾ أي على سن واحد من مس جلد واحد التراب قبل الأخرى، بل لو كن مولودات لكانت ولادتهن في آن واحد.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠٣
ولما ذكر النساء ذكر الملائم لعشرتهن فقال :﴿وكاساً﴾ أي من الخبر التي لا مثل لها في لذة الذوق ظاهراً وباطناً وكمال السرور وإنعاش القوى.
ولما كانت العادة جارية بأن الشراب الجيد يكون قليلاً، دل على كثرته دليلاً على جودته بقوله :﴿دهاقاً *﴾ أي ممتلئة.


الصفحة التالية
Icon