ولما كان هذا ربما أفهم سد باب الشفاعة عنده سبحانه، وكان الكلام إنما ينشأ من الروح، وكان الملائكة أقرب شيء إلى الروحية، أكد هذا المعنى مزيلاً ما قد يوهمه في الشفاعة سواء قلنا : إن الروح هنا جنس أم لا، فقال ذاكراً ظرف " لا يتكلمون " ﴿يوم يقوم الروح﴾ أي هذا الجنس أو خلق من خلق الله عظيم الشأن جداً، قيل : هو الملك الموكل بالأرواح أو جبرائيل عليه السلام، أو القرآن المشار إليه بمثل قوله تعالى ﴿تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر﴾ [القدرة : ٤] ﴿وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا﴾ [الشورى : ٥٢] قاله ابن زيد ﴿والملائكة﴾ أي كلهم، ونبه بالاصطفاف على شدة الأمر فقال :﴿صفاً *﴾ للقاء ما في ذلك اليوم من شدائد الأهوال ولحفظ الثقلين وهم في وسط دائرة صفهم من الموج والاضطراب لعظيم ما هم فيه، ثم زاد الأمر عظماً
٣٠٥
بذكر العامل في لا يوم فقال :﴿لا يتكلمون﴾ أي من تقدم كلهم بأجمعهم فيه بكلمة واحدة مطلق كلام خطاباً كان أي في أمر عظيم أو لا، لا له سبحانه ولا لغيره أصلاً ولا أحد منهم، ويجوز أن يكون هذا حالاً لهؤلاء الخواص فيكون الضمير لهم فغيرهم بطريق الأولى ﴿إلا من أذن له﴾ أي في الكلام إذناً خاصاً ﴿الرحمن﴾ أي الملك الذي لا تكون نعمه على أحد من خلقه إلا منه ﴿وقال صواباً *﴾ فإن لم يحصل الأمر إن لم يقع الكلام من أحد منهم أصلاً، وهذا كالدليل على آية الخطاب بأنه إذا كان الروح والقريب منه بهذه المثابة في حال كل من حضره كان أحوج ما يكون إلى الكلام فما الظن بغيرهم ؟ وهم في غيره كذلك بطريق الأولى وغيرهم فيه وفي غيره من باب الأولى، وأما في الدنيا فإنه وإن كان لا يتكلم أحد إلا بإذنه لكنه قد يتكلم بالخطأ.


الصفحة التالية
Icon