ولما عظم ذلك اليوم بالسكوت خوفاً من ذي الجبروت ﴿وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً﴾ [طه : ١٠٨] أشار إليه بما يستحقه زيادة في عظمته فقال :﴿ذلك﴾ أي المشار إليه لبعد مكانته وعظم رتبته وعلو منزلته ﴿اليوم الحق﴾ أي في اليومية لكونه ثابتاً في نفسه فلا بد من كونه ولا زوال له ثوبتاً لا مرية فيه لعاقل وثابتاً كل ما أثبته وباطلاً كل ما نفاه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠٤
ولما قرر من عظمته ما يعجز غيره عن أن يقرر مثله، وكان قد خلق القوى والقدر والفعل بالاختيار.
فكان من حق كل عاقل تدرع ما ينجى منه، سبب عن ذلك تنبيهاً على الخلاص منه وحثاً عليه قوله :﴿فمن شاء﴾ أي الاتخاذ من المكلفين الذين أذن لهم ﴿اتخذ﴾ أي بغاية جهده ﴿إلى ربه﴾ أي خالقه نفسه المحسن إليه أو رب ذلك اليوم باستعمال قواه التي أعطاه الله إياها في الأعمال الصالحة ﴿مآباً *﴾ أي مرجعاً هو المرجع مما يحصل له فيه الثواب بالإيمان والطاعة، فإن الله جعل لهم قوة واختياراً ولكن لا يقدر أحد منهم على مشيئة شيء إلا بمشيئة الله.
ولما قدم في هذه السورة من شرح هذا النبأ العظيم ما قدم من الحكم والمواعظ واللطائف والوعد والوعيد، لخصه في قوله مؤكداً لما لهم من التكذيب :﴿إنا﴾ على ما لنا من العظمة ﴿أنذرناكم﴾ أي أيها الأمة وخصوصاً العرب بما مضى من هذه السورة وغيرها ﴿عذاباً﴾ ولما كان لا بد من إتيانه وكونه سواء كان بالموت أو بالبعث، وكان كل ما تحقق إتيانه أقرب شيء قال :﴿قريباً﴾.
ولما حذر منه.
عين وقته مشدداً لتهويله فقال :﴿يوم ينظر المرء﴾ أي جنسه الصالح منه والطالح نظراً لا مرية فيه ﴿ما﴾ أي الذي ﴿قدمت يداه﴾ أي كسبه في الدنيا من خير وشر، وعبر بهما لأنهما محل القدرة فكنى بهما عنها مع أن أكثر ما يعمل كائن بهما مستقلين به أو مشاركتين فيه خيراً كان أو شراً.
ولما كان التقدير : فيقول المؤمن :
٣٠٦