ولما ذكر نوعي السل بالشد والرفق، ذكر فعلها في إقبالها إليه ورجوعها عنه فقال :﴿والسابحات﴾ أي من الملائكة أيضاً في الجو بعد التهيؤ للطيران إلى ما أمرهم الله به من أوامره من الروح أو غيرها ﴿سبحاً *﴾ هو في غاية السرعة لأنه لا عائق لها بل قد أقدرها الله علىالنفوذ في كل شيء كما أقدر السابح في الماء والهواء، ولذلك نسق عليه بالفاء قوله :﴿فالسابقات﴾ أي بعد السبح في الطيران إلى ما أمروا به من غمس الأرواح في النعيم أو الجحيم أو غير ذلك مما أمروا به في أسرع من اللمح مع القدرة والغلبة لجميع ما يقع محاولته ﴿سبقاً *﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠٨
ولما بان بذلك حسن امثتالها للأوامر، بان به عظيم نظرها في العواقب فدل على ذلك بالفاء في قوله :﴿فالمدبرات﴾ أي الناظرات في أدبار الأمور وعواقبها لإتقان ما أمروا به في الأرواح وغيرها ﴿أمراً *﴾ أي عظيماً، ويصح أن يكون للشمس والقمر والكواكب والرياح والخيل السابحة في الأرض والجو لمنفعة العباد وتدبير أمورهم، وبعضها سابق لبعض، وبه قال بعض المفسرين، والجواب بحذوف إشارة إلى أنه من ظهور العلم به - بدلالة ما قبله وما بعده عليه - في حد لا مزيد عليه، فهو بحيث لا يحتاج إلى ذكره فحذفه كإثباته بالبرهان فتقديره : لتذهبن بالدنيا التي أنتم بها مغترون لنزعنا لها من حالها وتقطيع أوصالها، فإن كل ما تقدم من أعمال ملائكتنا هو من مقدمات ذلك تكذيباً لقول الكفار ﴿ما هي إلا حياتنا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر﴾ [الجاثية : ٢٤] المشار إليه بتساؤلهم عنها لأنه على وجه الاستهزاء والتكذيب ولتقومن
٣٠٩


الصفحة التالية
Icon