الساعة ؟ أو أنكم لمبعوثون بعد الموت وانتهاء هذه الدار ؟ ثم لمجازون بما عملتم بأسباب موجودة مهيأة بين أظهركم دبرناهم وأوجدناهم حين أوجبنا هذه الحياة الدنيا وإن كنتم لا ترونها كما أن هذه الأمور التي أخبرناكم بها في نزع الأرواح والنبات والمنافع موجودة بين أظهركم والميت أقرب ما يكون منكم وهو تعمل أعمالها.
والمحتضر أشد ما يكون صوتاً وأعظمه حركة إذا هو قد خفت وهمد بعد ذلك الأمر وسكت وامتدت أعضاؤه ومات، وذهب عنكم قهراً وفات الذي فات كأنه قط ما كان، ولا تغلب في زمن من الأزمان، بتلك الأسباب التي تعمل أعمالها وتمد حبالها وترسي أثقالها، وتلقي أهوالها وأوجالها، وأنتم لا ترونها، فيالله العجب أن لا يردكم ذلك على كثرته عن أن تستبعدوا على قدرته تمييز تراب جسد من تراب جسد آخر.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما أوضحت سورة النبأ حال الكافر في قوله ﴿يا ليتني كنت تراباً﴾ [النبأ : ٤٠] عند نظره ما قدمت يداه، ومعانيته من العذاب عظيم ما يراه، وبعد ذكر تفصيل أحوال وأهوال، أتبع ذلك ما قد كان حاله عليه في دنياه من استبعاد عودته في أخراه، وذكر قرب ذلك عليه سبحانه كما قال في الموضع الآخرة ﴿وهو أهون عليه﴾ [الروم : ٢٧] وذلك بالنظر إلينا ولما عهدناه، وإلا فليس عنده سبحانه شيء أهون من شيء ﴿إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون﴾ [يس : ٨٢] فقال تعالى :﴿والنازعات غرقاً﴾ [النازعات : ١} إلى قوله : يقولون أئنا لمردودون في الحافرة أئذا كنا عظاماً نخرة} [النازعات : ١٠ - ١١] إذ يستبعدون ذلك ويستدفعونه ﴿فإنما هي زجرة واحدة﴾ [النازعات : ١٣] أي صحية ﴿فإذا هم بالساهرة﴾ [النازعات : ١٤] أي الأرض قياماً ينظرون ما قدمت أيديهم ويتمنون أن لو كانوا تراباً ولا ينفعهم ذلك، ثم ذكر تعالى من قصة فرعون وطغيانه ما يناسب الحال في قصد الاتعاظ والاعتبار، ولهذا أتبع القصة بقوله سبحانه ﴿إن في ذلك لعبرة لمن يخشي﴾ [النازعات : ٢٦] انتهى.