ولما أمره بالذهاب إليه، علله بما يستلزم إهلاكه على يده عليه الصلاة والسلام إشارة له بالبشارة بأنه لا سبيل له عليه، ولذلك أكده لأن مثل ذلك أمر يقتضي طبع البشر التوقف فيه فقال :﴿إنه طغى *﴾ أي الحد وتجاوز الحد فاستحق المقابلة بالجد، ثم سبب عن الذهاب إليه قوله ﴿فقل﴾ أي له تفصيلاً لبعض ما تقدم في " طه " من لين القول ولطف الاستدعاء في الخطاب :﴿هل لك﴾ أي ميل وحاجة ﴿إلى أن تزكّى *﴾ أي تتحلى بالفضائل، وتتطهر من الرذائل، ولو بأدنى أنواع التزكي : الطهارة الظاهرة والباطنة الموجبة للنماء والكثرة، وإفهام الأدنى بما يشير إليه إسقاط تاء التفعل المقتضي للتخفيف، وذلك بالإذعان المقتضي للإيمان وإرسال بني إسرائيل، وقرأ الحجازيان ويعقوب بالتشديد أي تزكية بليغة لأن من دخل في التزكي على يد كامل لا سيما بني من أولي العزم أوشك أن يبلغ الغاية في الزكاء.
ولما أشار له الطهارة عن الشرك، أتبعها الأعمال فقال :﴿وأهديك﴾ أي أبين لك بعد التزكية بالإيمان الذي هو الأساس : كيف المسير ﴿إلى ربك﴾ أي الموجد لك والمحسن إليك والمربي لك بتعريفك ما يرضيه من الأعمال وما يغضبه من الخصال بعد أن بلغك في الدنيا غاية الآمال ﴿فتخسى *﴾ أي فيتسبب عن ذلك أنك تصير تعمل أعمال من يخاف من عذابه خوفاً عظيماً، فتؤدي الواجبات وتترك المحرمات وسائر المنهيات، فتصير إلى أعلى رتب التزكية فتجمع ملك الآخرة إلى ملك الدنيا، فإن الخشية هي الحاملة على كل خير، والآمن هو الحامل على الشر.
٣١٤
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣١٢