ولما ختم قصة فرعون - لعنه الله - بالعبرة، وكان أعظم عبرتها القدرة التامة لا سيما على البعث كما هي مشيرة إليه بأولها وآخرها، والعقوبة على التكذيب به لأن التكذيب به يجمع مجامع الشر والتصديق به يجمع مجامع الخير، وكانوا يستبعدونه لاستبعاد القدرة عليه، وصل به ما هو كالنتيجة منه، فقال مقرراً مخاطباً لأصحاب الشبهة الشاكين موقفاً لهم على القدرة منكراً عليهم استبعادهم وذلك ملتفتاً بعد تخصيص الخطاب به ﷺ لما تقدم من دقة فهمه وجلالة علمه ﷺ إلى عموم الخطاب لوضوح هذا البرهان لكل إنسان استعطافاً بهم في توبيخ :﴿أأنتم﴾ أي أيها الأحياء مع كونكم خلقاً ضعيفاً ﴿أشد خلقاً﴾ أي أصعب وأثقل من جهة التقدير والإيجاد ﴿أم السماء﴾ على ما فيها من السعة والكبر ولعلو والمنافع.
ولما كان الجواب قطعاً : السماء - لما يرى من أعظمها لأن العالم الإنساني
٣١٧
مختصر العالم الآفاقي، ويزيد الآفاقي طول البقاء مع عدم التأثر، وصل به قوله دليلاً على قدرته على البعث لقدرته على ما هو أشد منه لأن الذي قدر على ابتداء الأكبر هو على إعادة الأصغر أقدر، مبيناً لكيفية خلقه لها :﴿بناها *﴾ أي جعلها سقفاً للأرض على ما لها من العظمة، ثم بين البناء بقوله :﴿رفع سمكها﴾ أي جعل مقدار ارتفاها من الأرض أو سمنها الذاهب في العلو رفيعاً، قال في القاموس : السمك السقف، أو من أعلى البيت إلى أسفله، أو القامة من كل شيء، وقال أبو حيان : السمك الارتفاع الذي بين سطح السماء الذي يلينا وسطحها الذي يلي ما فوقها :﴿فسواها *﴾ أي عدلها عقب ذلك بأن جعلها مستوية لا شيء فيها أعلى من شيء ولا أخفض ولا فطور فيها، وأصلحها بما تم به كمالها من الكواكب وغيرها، وجعل مقدار تخن كل سماء وما بين كل سماءين وتخن كل أرض وما بين كل أرضين على السواء لا يزيد شيء من ذلك على الآخر أصلاً.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣١٥


الصفحة التالية
Icon