ولما كان كل من ذلك يدل على القدرة على البعث لأنه إيجاد ما هو أشد من خلق الآدمي من عدم، أتبعه ما يتصور به البعث في كل يوم وليلة مرتين فقال :﴿وأغطش﴾ أي أظلم إظلاماً لا يهتدي معه إلى ما كان في حال الضياء ﴿ليلها﴾ أي بغياب شمسها فأخفى ضياءها بامتداد ظل الأرض على كل ما كانت الشمس ظهرت عليه.
وأضافه إليها لأنه يحدث بحركتها، وبدأ به لأنه كان أولاً، والعدم قبل الوجود ﴿وأخرج ضحاها *﴾ بطلوع شمسها فأضاء نهارها، فالآية من الاحتباك : دل بـ " أغطش " على " أضاء " وبإخراج الضحى على إخفاء الضياء، ولعله عبر بالضحى عن النهار لأنه أزهر ما فيه وأقوى نوراً.
ولما بدأ بدلالة العالم العلوي لأنه أدل لما فيه من العجائب والمنافع مع كونه أشرف، فذكر أنه أتقن السماء التي هي كالذكر، ثنى بأنه سوى ما هي لها كالأنثى فقال :﴿والأرض﴾ ولما كان المراد استغراق الزمان باستمرار الدحو، حذف الخافض فقال :﴿بعد ذلك﴾ أي المذكور كله ﴿دحاها﴾ أي بسطها ومدها للسكنى وبقية المنافع بعد أن كان خلقها وأوجدها قبل إيجاد السماء غير مسواة بالفعل ولا مدحوة.
ولما ذكر الدحو، أتبعه ما استلزمه من المناف لتوقف السكنى المقصود بالدحو
٣١٨
عليه فقال كالمبين له من غير عاطف :﴿أخرج منها﴾ أي الأرض ﴿ماءها﴾ بتفجير العيون، وإضافته إليها دليل على أنه فيها ﴿ومرعاها *﴾ الذي يخرج بالماء، والمراد ما يرعى منها ومكانه وزمانه.
ولما ذكر الأرض ومنافعها، ذكر المراسي التي تم بها نفعها فقال :﴿والجبال﴾ أي خاصة ﴿أرساها *﴾ أي أثبتها وأقرها ومع كونها ثابتة لا تتحول فإنه سبحانه جعلها مراسي للأرض تكون سبباً لثباتها كما أن المراسي سبب لثبات السفينة.


الصفحة التالية
Icon