ولما كان التذكير بالإعدام ربما أوجع، قال تعالى جابراً له وتطبيباً لقلبه نادباً إلى الإيمان بالغيب :﴿سيجعل الله﴾ أي الملك الذي له الكمال كله فلا خلف لوعده، ونزع الجار زيادة في الخبر فقال :﴿بعد عسر﴾ أي من الأمور التي تعسرت لا أنه يجعل ذلك بعد كل عسر ﴿يسراً *﴾ أي لا بد من ذلك ولا يوجد أحد يستمر التقتير عليه طول عمره في جميع أحواله، قال القشيري : وانتظار اليسر من الله صفة المتوسطين في الأحوال الذين انحطوا عن درجة الرضى واستواء وجود السبب وفقده وارتقوا عن حد اليأس والقنوط ويعيشون في أفناء الرجاء ويتعللون بحسن المواعيد - انتهى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٥
ولقد صدق الله وعده فيمن كانوا موجودين حين نزول الآية، ففتح عليهم جميع جزيرة العرب ثم فارس والروم وانتثلوا كنوزها حتى صاروا أغنى الناس، وصدق الآية دائم غير أنه كان في الصحابة رضي الله تعالى عنهم أبين لأن إيمانهم أتم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٥
ولما كان الأمر قد بلغ النهاية في الأحكام والمواعظ والترغيب لمن أطاع، فلم يبق إلا التهديد لمن عصى بما شوهد من المثلات وبالغ العقوبات، فإن من الناس البليد الذي لا يتعظ بما يرى، وكان التقدير : فكأي من ناس كانوا في غاية الضيق فأطاعوا أوامرنا فجعلناهم في غاية السعة بل جعلناهم ملوكاً، عطف عليه تزهيداً في الرفاهية بأنها تطغى في الغلب، وتهديداً لأهل المعاصي قوله مفيداً لكثرة القرى الخارجة عن الحد :﴿وكأين من قرية﴾ أي مدنية كبيرة جامعة، عبر عن أهلها مبالغة ﴿عتت﴾ أي استكبرت وجاوزت الحد في عصيانها وطغيانها فأعرضت عناداً ﴿عن أمر ربها﴾ أي الذي أحسن إليها ولا محسن إليها غيره بكثرة الرزق وطيب العيش واللطف في التربية والرحمة بعد الإيجاد والملك ﴿ورسله﴾ فلم يقبل منهم ما جاؤوها به عن الله، فإن طاعتهم من طاعة الله.