ولما كانت محاسبة مثل هؤلاء للإهلاك لأن الحساب هو ذكر الأعمال والمجازاة عليها بما يحق لكل منها، قال ملتفاً إلى مقام التكلم في مظهر العظمة :﴿فحاسبناها﴾ أي فتسبب عن عدم شكرهم للإحسان أن أحصينا أعمالها.
ولما كان ذلك على وجه المناقشة على النقير والقطمير بالمجازاة على كل فعل بما يليق به قال :﴿حساباً شديداً﴾ بمعناه المطابقي من ذكر الأعمال كلها والمجازاة عليها، وهذا هو المناقشة وهي أن العامل إذا أثر أثراً بعمله هو كالنقش في الجامد أثر المجازي له فيه أثراً بحسب عمله
٣٦
على سبيل الاستقصاء، وأما الحساب اليسير فهو عرض الأعمال فقط من غير جزاء على قبيحها فهو دلالة تضمن، وإنما شدد على هذه القرية لأن إعراضها كان كذلك بما نبه عليه تسميته عتواً ﴿وعذبناها﴾ أي في الدنيا جزاء على ما أحصيناه من ذنوبها ﴿عذاباً نكراً *﴾ أي شديد النكارة لأن العقل يحير في أمره لأنه لم ير مثله ولا قريباً منه ليعتبره به، وأزال ذكر الكثرة شبهة أن يكون الإهلاك وقع اتفاقاً في وقت من الأوقات ﴿فذاقت﴾ بسبب ذلك بعد ما كان لها من الكثرة والقوة ﴿أمرها﴾ أي في العتو وجميع ما كانت تأتمر فيه، مثله بالمرعى الوخيم الذي يمرض ويهلك.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٦
ولما كان كل مقهور إنما يسلي نفسه بانتظار الرج ورجاء العاقبة، أيأس من ذلك مذكراً للفعل إشارة إلى الشدة بقوله :﴿وكان عاقبة﴾ أي آخر ومنتهى وعقيب ﴿أمرها﴾ أي في جميع عملها الذي كانت فيه ﴿خسراً *﴾ أي نفس الخسر في الدارين، فكلما امتد الأمر وجدوه أمامهم فإن من زرع الشوك كما قال القشيري لا يجني الورد، ومن أضاع حق الله لا يطاع في حظ نفسه، ومن احترق بمخالفة أمر الله تعالى فليصبر على مقاساة عقوبة الله تعالى، ثم فسر الخسر أو استأنف الجواب لمن يقول : هل لها غير هذا في هذه الدار، بقوله :﴿أعد الله﴾ أي الملك الأعظم ﴿لهم﴾ بعد الموت وبعد البعث ﴿عذاباً شديداً﴾.