ولما ذكر المستغني، ذكر مقابله فقال :﴿وأما من جاءك﴾ حال كونه ﴿يسعى *﴾ أي مسرعاً رغبة فيما عندك من الخير المذكر بالله وهو فقير ﴿وهو﴾ أي والحال أنه ﴿يخشى﴾ أي يوجد الخوف من الله تعالى ومن الكفار في أذاهم على الإتيان إلى النبي ﷺ ومن معاثر الطريق لعماه ﴿فأنت عنه﴾ أي خاصة في ذلك المجلس لكونه في الحاصل ﴿تلهّى *﴾ أي تتشاغل لأجل أولئك الأشراف الذين تريد إسلامهم لعلو بهم الدين تشاغلاً حفيفاً بما أشار إليه حذف التاء، من لهى عنه كرضى - إذا سلى وغفل وترك، وفي التعبير بذلك إشارة إلى أن الاشتغال بأولئك لا فائدة فيه على ما تفهمه تصاريف المادة وإلى أن من يقصد الانسان ويتخطى رقاب الناس إليه له عليك حق عظيم، والآية من الاحتباك : ذكر الغنى أولاً يدل على الفقر ثانياً، وذكر المجيء والخسية ثانياً يدل على ضدهما أولاً، وسر ذلك التحذير مما يدعو إليه الطبع البشري من الميل إلى الأغنياء، ومن الاستهانة بحق الآتي إعظاماً لمطلق إتيانه.
ولما كان العتاب الذي هو من شأن الأحباب ملوحاً بالنهي عن الإعراض عمن وقع العتاب عليه، وكل من كان حاله كحاله والتشاغل عن راغب، صرح به فقال :﴿كلا﴾ أي لا تفعل ذلك أصلاً فإن الأمر في القضاء والقدر ليس على ما يظن العباد ولا هو جار على الأسباب التي تعرفونها بل هو من وراء علومهم على حكم تدق عن
٣٢٦
أفكارهم وفهومهم : ثم علل ذلك فقال مؤكداً لإنكارهم ذلك، ﴿إنها﴾ أي القرآن، ولعله أنث الضمير باعتبار ما تلي عليهم في ذلك المجلس من الآيات أو السور ﴿تذكرة﴾ أي تذكرهم تذكيراً عظيماً بما إن تأملوه شاهدوه في أنفسهم وفي الآفاق، ليس فيه شيء إلا وهم يعرفونه لو أقبلوا بكليتهم عليه، فما على المذكر بها غير البلاغ، فمن أقبل عليه فأهلاً وسهلاً، ومن أعرض فبعداً له وسحقاً.