جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٣١
ولما ذكر عجائب الصنع في الطعام، وكان ذلك يقطع فيعود لا سيما المرعى فإنه يأتي عليه الخريف فينشف ثم يتحطم من الرياح ويتفرق في الأرض ثم يصير تراباً ثم يبعث الله المطر فيجمعه من الأرض بعد أن صار تراباً ثم ينبته كما كان، وكان ذلك مثل إحياء الموتى سواء، فتحقق لذلك ما تقدم من أمر الإنشار بعد الإقبار، وكان ذلك أيضاً مذكراً بأمر أبينا آدم عليه الصلاة والسلام لما أمره الله بالأكل من الجنة إلا من الشجرة التي نهاه عنها، فلما أكل منها أخرجه من الجنة فسبجنه في دار ليست بجنة ولا نار ولا غيرهما بل هي ممن ممتزج الدارين وكالبرزخ بينهما، فيها ما يذكر بهذه وما يذكر بتلك وفيها أمثلة الموجدات كلها، قال مسبباً عما ثبت به الإحياء للبعث إلى المحشر معبراً بأداة التحقق لأن الساعة ممن لا بد منه ولا محيد عنه لأنها سر الكون فإن فيها حساب الذين استخلفوا في هذا الوجود وأفيضت عليهم النعم التي أودعها فيه، وأشار إلى أنهم عاجزون عن القيام بشكرها، وكثير منهم - بل أكثرهم - زاد على ذلك بكفرها، فأوجب ذلك - ولا بد - حسابهم على ما فعلوا فيما استخلفوا فيه واسترعوه كما هي عادة كل مسترع ومستخلف :﴿فإذا جاءت﴾ أي كانت ووجدت لأن كل ما هو كائن كأنه لاقبك وجاء إليك ﴿الصآخة *﴾ أي الصرخة العظيمة التي يبالغ في إسماع الأسماع بها حتى
٣٣٢
تكاد تصمها لشدتها، وكأنها تطعن فيها لقوة وقعتها وعظيم وجبتها، وتضطر الآذان إلى أن تصيخ إليها أي تسمع، وهي من أسماء القيامة، وأصل الصخ : الضرب بشيء صلب على مصمت.