ولما أفهم هذا الحشر، ذكر ما يدل على ما ينال أهل الموقف من الشدائد من شدة الحر فقال :﴿وإذا البحار﴾ أي على كثرتها ﴿سجرت *﴾ أي فجر بعضها إلى بعض حتى صارت بحراص واحداً وملئت حتى كان ما فيها أكثر منها وأحمئت حتى كان كالتنور التهاباً وتسعراً فكانت شراباً لأهل النار وعذابا عليهم، ولا يكون هذا إلا وقد حصل من الحر ما يذيب الأكباد.
ولما ذكر من الآيات العلوية من عالم الملك اثنين ومن السفلية أربعة، فأفهم جميع الخلق أن الأمر في غاية الخطر فتشوفت النفوس إلى ما يفعل، قال ذاكراً لما أراد
٣٣٧
من عالم الغيب والملكوت، وهو أمور ستة على عدد ما مضى من عالم الملك والشهادة ترغيباً في الأعمال الصالحة والقرناء الصالحين لئلا يزوج بما يسوءه وابتدأ بما يناسب تكوير الشمس :﴿وإذا النفوس﴾ أي من كل ذي نفس من الناس وغيرهم ﴿زوجت *﴾ أي قرنت بأبدانها وجمع كل من الخلق إلى ما كانت نفسه تألفه وتنزع إليه، فكانوا أصنافاً كما قال تعالى ﴿احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله﴾ [الصافات : ٢٢، ٢٣] والتفاف الأزواج كالتفاف الشمس حتى يذهب نورها.
ولما صرح الأمر فكانت القلوب أحر من الجمر، ذكر ما هو المقصود الأعظم وهو السؤال على وجه يفهم العموم فقال :﴿وإذا الموءودة﴾ أي ما دفن من الأولاد لما يوضع عليها من التراب فيثقلها فيقتلها " وأداً " مقلوب " آداً " إذا أثقل، وإلقاؤها في البئر المحفور لها قرب من انكدار النجوم وتساقطها.


الصفحة التالية
Icon