ولما كان هذا أهون القتل عندهم وكانوا يظنون أنه مم لا عبرة به، بين أنه معتنىً به وأنه لا بد من بعصها وجعلها بحيث تعقل وتجيب وإن كان نفخ الروح فيها في زمن يسير فقال :﴿سئلت *﴾ أي وقع سؤالها عما يليق أن تسأل عنه، ثم قيل على طريق الاستئناف تخويفاً للوالدين :﴿بأي﴾ أي بسبب أيّ ﴿ذنب﴾ يا أيها الجاهلون ﴿قتلت *﴾ أي استحقت به عندكم القتل وهي لم تباشر سوءاً لكونها لم تصل إلى حد التكليف، فما ظنك بمن هو فوقها وبمن هو جان، وسؤالها هو على وجه التبكيت لقاتلها، فإن العرب كانت تدفن النبات أحياء مخافة الإملاق أو لحوق العار بهن، ويقولن : نردها إلى الله هو أولى بها، فلا يرضون البنات لأنفسهم ويرضونها لخالقهم، وكان فيهم من يتكرم عن ذلك ومن يفدي الموءودات ويربيهن، وليس في الآية دليل على تعذيب أطفال الكفرة ولا عدمه، فإن الكافر الذي يستحق الخلود قد يكون مستأمناً فلا يحل قتله، والأطفال ما عملو ما يستحقون به القتل، ويؤخذ من سؤال المؤدة تحريم الظلم لكل أحد وكف اليد واللسان عن كل إنسان.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٣٥
ولما دل هذا على عموم السؤال، ذكر ما ينشأ عنه مما يدل على النعيم أو النكال فقال :﴿وإذا الصحف﴾ أي الأوراق التي كتبت فيها أعمال العباد ﴿نشرت *﴾ أي فرقت مفتحة تفتيحاً عظيماً على أربابها بأيسر أمر فتأتي السعيد في يمينه من تلقاء وجهه على وجه يكون فيه بشارة له، وتأتي الشقي من وراء ظهره وفي شماله بعد أن كانت طويت
٣٣٨
عند موته، ونشرها مثل تسيير الجبال وتطايرها، فمن اعتقد أن صحيفته ثابتة فترديه أو تنجيه لم يضع فيها إلا حسناً من قول أو عمل أو اعتقاد.


الصفحة التالية
Icon