ولما ذكر ما يطلق وينشر، أتبعه ما يطوى ويحصر، ليبدو ما فوقه من العجائب وينظر، فقال :﴿وإذا السماء﴾ أي هذا الجنس كله، أفرده لأنه يعلم بالقدرة على بعضه القدرة على الباقي ﴿كشطت *﴾ أي قلعت بقوة عظيمة وسرعة زائدة وأزيلت عن مكانها التي هي ساترة له محيطة به، أو عن الهواء المحيط بسطحها الذي هو كالروح لها كما يكشط الإهاب عما هو ساتر له ومحيط به مع شدة الالتزاق به لأن ذلك يوم الكشف والإظهار ﴿فكشفنا عنك غطاءك﴾ [ق : ٢٢] وكشطها هو مثل انكشاف الناس عن العشار وتفرقهم عنها، فنم اعتقد زوالها أعرض عن ربط همته بشيء منها وناط أموره كلها بربها.
ولما زالت الموانع ظهرت عجائب الصنائع التي هي غايا المطالب، ونهايات الرغاب والرهائب، فقال :﴿وإذا الجحيم﴾ أي النار الشديدة التأجج والتي بعضها فوق بعض والعظيمة في مهواة عميقة ﴿سعرت *﴾ أي أوقدت إيقاداً شديداً بأيسر أمر وقربت من الكافرين بغاية السرعة، فكان الأمر في غاية العسر، وذلك قريب من نتيجة ما يحصل من الهول من حشر الوحوش.
ولما ذكر جار الأعداء البعداء ترهيباً، أتبعه دار المقربين السعداء ترغيباً، فقال :﴿وإذا الجنة﴾ أي البستان ذو الأشجار الملتفة والرياض المعجبة ﴿أزلفت *﴾ أي قربت من المؤمنين ونعمت ببرد العيش وطيب المستقر، ودرجت درجاتها وهيئت، وملئت حياضها ومصنعها، وزينت صافها ونظفت أرضها وطهرت عن كل ما يشين، وحسنت رياضها بكل ما يزين، من قول أهل اللغة، الزلف - محركة : القربة والدرجة والحياض الممتلئة والزلفة : المصنعة الممتلئة والصحف والأرض المنكوسة، والزلف - بالكسر.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٣٨
الروضة، ومعنى هذا ضد سجر البحار، فالآية من الاحتباك : ذكر التسعير أولاً دال على ضده في الجنة ثانياً، وذكر التقريب ثانياً دال على مثله أولاً.


الصفحة التالية
Icon