ولما انتفى ما يظن من لبس السمع وزيغ البصر، لم يبق إلا ما يتعلق بالتأدية فنفى ما يتوهم من ذلك بقوله :﴿وما﴾ أي سمعه ورآه والحال أنه ما ﴿هو على الغيب﴾ أي الأمر الغائب عنكم في النقل عنه ولا في غيره من باب الأولى ﴿بضنين *﴾ أي بمتهم، من الظنة وهي التهمة، كما يتهم الكاهن لأنه يخطئ في بعض ما يقول، فهو حقيق بأن يوثق بكل شيء يقوله يف كل أحواله، هذا في قراءة ابن كثير وأب عمرو والكسائي ورويس عن يعقوب بالظاء، والمعنى في قراءة الباقين بالضاد : ببخيل كما يبخل الكاهن رغبة في الحلوان، بل هو حريص على أن يكون كل من أمته عالماً بكل ما أمره الله تعالى بتبليغه.
ولما أثبت له الأمانة والجود بعد أن نفى عنه ما بهتوه به، وكان الجنون أظهر من قول المجنون لأن بعض المجانين ربما تكلم الكلام المنتظم في بعض الأوقات فنفاه لذلك، وكان قول الكاهن أظهر من الكهانة، نفى القول فقال :﴿وما هو﴾ أي القرآن الذي من جملة معجزاته الإخبار بالمغيبات، وأعرق في النفي بالتأكيد بالباء فقال :﴿بقول شيطان﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٢
ولما كان الشيطان لا ينفك عن الطرد لأن اشتقاقه من شطن وشاط،
٣٤٤
وذلك يقتضي البعد والاحتراق، وصفه بما هو لازم له فقال :﴿رجيم *﴾ أي مرجوم باللعن وغيره من الشهب لأجل استراق السمع مطرود عن ذلك، لأن القائل له ليس بكاهن كما تعلمون، وبقي مما قالوه السحر وهو لا يحتاج إلى نفيه لأنه ليس بقول، بل هو فعل صرف أو قول مقترن به، والأضغاث وهي لذلك واضحة العوار فلم يعدها، فمن علم هذه الأوصاف للقرآن والرسولين الآتيين به الملكي والبشري أحبه وأحبهما، وبالغ في التعظيم والإجلال، وأقبل على تلاوته في كل أوقاته، وبالغ في السعي في كل ما يأمر به والهرب مما ينهى عنه، ليحصل له الاستقامة رغبة في مرافقة من أتى به ورؤية من أتى من عنده.


الصفحة التالية
Icon