ولما أوضح سبحانه غاية الإيضاح الدليل على قدرته على الإعادة بالابتداء، وبين تعالى أنه ما أوجب للإنسان، الخسار بنسيان هذا الدليل الدال على تلك الدار إلا الاغترار، وكان الاغترار يطلق على أدنى المعنى، بين أنه ارتقى به الذروة فقال :﴿كلا﴾ أي ما أوقعكم أيها الناس في الإعراض عمن يجب الإقبال عليه ويقبح غاية القباحة الإعراض بوجه عنه مطلق الغرور ﴿بل﴾ أعظمه وهو أنكم ﴿تكذبون﴾ أي على سبيل التجديد بتحدد إقامة الأدلة القاطعة وقيام البراهين الساطعة ﴿بالدين *﴾ أي الجزاء الذي وظفه الله في يوم البعث، فارجعوا عن الغرور مطلقاً خاصاً وعاماً، وارتدعوا غاية الارتداع ﴿وإنّ﴾ أي والحال أن ﴿عليكم﴾ أي ممن أقمناهم من جندنا من الملائكة
٣٥٠
﴿لحافظين *﴾ لهم على أعمالكم غاية العلو فهم بحيث لا يخفى عليهم منها جليل ولا حقير.
ولما أثبت لهم الحفظ، نزههم عن الزيادة والنقص فقال :﴿كراماً﴾ أي فهم في غاية ما يكونون من طهارة الأخلاق والعفة والأمانة.
ولما ثنبت الحفظ والأمانة بغاية الإبانة، وكان الحافظ ربما ينسى قال :﴿كاتبين *﴾ أي هم راسخون في وصف الكتابة يكتبونها في الصحف كما يكتب الشهود بينكم العهود ليقع الجزاء على غاية التحرير.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٥٠