ولما أفهم الاستعلاء والتعبير بالوصف إحاطة الاطلاع على ما يبرز من الأعمال، صرح به فقال :﴿يعلمون﴾ أي على التجدد والاستمرار ﴿ما تفعلون *﴾ أي تجددون فعله من خير وشر بالعزم الثابت والداعية الصادقة سواء كان مبيناً على علم أو لا، فكيف يكون مع هذا تكذيب بالجزاء على النقير والقطمير هل يكون إحصاء مثاقيل الذر من أعمالكم عبثاً وهل علمتم بملك يكون له رعية يتركهم هملاً فلا يحاسبهم على ما في أيديهم وما عملوه، ولأجل تكذيبهم بالدين أكد المعنى المستلزم له وهو أمر الحفظة غاية التأكيد، والتعبير بالمستقبل يدل على أنهم يعلمون كل ما انقدح في القلب وخطر في الخاطر قبل أن يفعل، وأما ما لم يجر في النفس له ذكر فلا يعلمونه كما بينه حديث :"ومن هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة " ولما كانت نتيجة حفظ الأعمال الجزاء عليها، أنتج ذلك بيان ما كانت الكتابة لأجله تفريقاً بين المحسن والمسيء الذي لا يصح في حكمة حكيم ولا كرم كريم غيره بقوله على سبيل التأكيد، لأجل تكذيبهم :﴿إن الأبرار﴾ أي العاملين بما هو واسع لهم مما يرضي الله جلت قدرته ﴿لفي نعيم *﴾ أي محيط بهم لا ينفك عنهم ولا ينفكون عنه أصلاً في الدنيا في نعيم الشهود، وفي الآخرة في نعيم الرؤية والوجود في هذه الدار معنىً وفي الآخرة حساً، فكل نعيم في الجنة لهم من المنح الآجلة فرقائقه في هذه الدنيا لهم عاجلة ﴿وإنّ الفجار﴾ أي الذي شأنهم الخروج مما ينبغي الاستقرار فيه من رضا الله إلى سخطه ﴿لفي جحيم *﴾ أي نار تتوقد غاية التوقد يصلون بها جحيم العقوبة الفظيعة كما كانوا في الدنيا في جحيم البعد والقطيعة.
ولما كان السياق للترهيب، وصف عذاب الفجار فقال :﴿يصلونها﴾ أي يغمسون فيها كالشاة المصلية فيباشرون حرها ﴿يوم الدين *﴾ أي الجزاء على الأعمال المضبوطة على مثاقيل الذر.
ولما كان العذاب على ما نعهده لا بد أن ينقضي، بين أن عذابه على
٣٥١