فسبقت الناس حتى طفت لي الفرس مسجد بني زريق - يعني أن الفرس وثب حتى كاد يساوي المسجد، ويقال : طف الرجل الحائط - إذا علاه، أو من القرب، من قولهم : أخذت من متاعي ما خف وطف، أي قرب مني، وكل شيء أدنيته من شيء فقد أطففته، والطفاف من الإناء وغيره : ما قارب أن يملأه، ولا يتم ملأه، وفي الحديث :"كلكم بنو آدم طف الصاع"، أو من الطفف وهو التقتير، يقال : طفف عليه تطفيفا - إذا قتر عليه، أو من الطفيف وهو من الأشياء الخسيس الدون والقليل، فكأن التضعيف للإزالة على المعنى الأول كما مضى، وللمقاربة الكثيرة على المعنى الثاني أي أنه يقار ملء المكيال مقاربة كبيرة مكراً وخداعاً حتى يظن صاحب الحق أنه وفى ولا يوفي، يقال : أطف فلان لفلان - إذا أراد ختله، وإذا نهى عن هذا فقد نهى عما نقص أكثر بمفهوم الموافقة، وعلى المعنى الثالث بمعنى التقتير والمشاححة في الكيل، وعلى المعنى الرابع بمعنى التنقيص والتقليل فيه، وكأنه اختير هذا اللفظ لأنه لا يكاد يسرق في الميزان والمكيال إلا الشيء اليسير جداً، هذا أصله في اللغة وقد فسره الله سبحانه وتعالى فقال :﴿الذين إذا اكتالوا﴾ أي عالجوا الكيل أو الوزن فاتزنوا - بما دل عليه ما يأتي، وعبر بأداة الاستعلاء ليكون المعنى : مستعلين أو متحاملين ﴿على الناس﴾ أي خاصة بمشاهدتهم كائنين من كانوا لا يخافون شيئاً ولا يراعون أحداً، بل صارت الخيانة والوقاحة لهم ديدناً، وهذا الفعل يتعدى بمن وعلى، يقال : اكتال من الرجل وعليه، ويجوز أن يكون اختيار التعبير بعلى هنا مع ما تقدم للإشارة إلى أنهم إذا كان لهم نوع علو بأن كان المكتال منه ضعيفاً خانوه فيكون أمرهم دائراً على الرذالة وسفول الهمة التي لا أسفل منها ﴿يستوفون *﴾ أي يوجدون لأنفسهم الوفاء وهو تمام الكيل بغاية الرغبة والمبالغة في الملء، فكأنه ذكر " اكتالوا " ولم يذكر " اتزنوا " لأنه لا يتأتى في الوزن من المعالجة ما يتأتى في الكيل، ولأنهم يتمكنون في


الصفحة التالية
Icon