الاكتيال من المبالغة في استيفاء المؤدي إلى الزيادة ما لا يتمكنون من مثله في الاتزان، وهذا بخلاف الإخسار فإن التمكن بسببه حاصل في الموضعين فلذلك ذكرهما فيه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٥٤
ولما أفهم تقديم الجار الاختصاص فأفهم أنهم إذا فعلوا من أنفسهم لا يكون كذلك، صرح به فقال :﴿وإذا كالوهم﴾ أي كالوا الناس أي حقهم أي ما لهم من الحق ﴿أو وزنوهم﴾ أي وزنوا ما عليهم له من الحق، يقال : اكتال من الرجل وعليه وكالة له الطعام وكاله الطعام، ووزنت الرجل الشيء ووزنت له الشيء، ولعله سبحانه اختار "
٣٥٥
على " في الأول والمعدى إلى اثنين في الثاني لأنه أدل على حضور صاحب الحق، فهو في غيبته أولى، فهو أدل على المرون على الوقاحة، فهما كلمتان لا أربع لأنه ليس بعد الواو ألف جمع، قال البغوي : وكان عيسى بن عمر يجعلهما حرفين يقف على كالوا ووزنوا ويبتدئ هم، قال أبو عبيدة : والاختيار الأولى، قال البغوي : يعني أن كل واحدة كلمة لأنهم كتبوهما بغير ألف باتفاق المصاحف، وقال الزمخشري : ولا يصح أن يكون ضميراً للمطففين لأن الكلام يخرج به إلى نظم فاسد، وذلك أن المعنى : إذا أخذوا من الناس اتوفوا وإذا أعطوهم أخسروا، وإن جعلت الضمير للمطففين انقلب إلى قولك : إذا أخذوا من الناس استوفوا، وإذا تولوا الكيل أو الوزن هم على الخصوص أخسروا، وهو كلام متنافر لأن الحديث واقع في الفعل لا في المباشر، والتعلق في إبطاله بخط المصحف لم يراع في كثير منه حد المصطلح عليه في علم الخط - انتهى.
ولا شك أن في خط المصحف تقوية لهذا الوجه المعنوي وتأكيداً ﴿يخسرون *﴾ أي يوجدون الخسارة بالنقص فيما يكيلون لغيرهم، والحاصل أنهم يأخذون وافياً أو زائداً ويعطون ناقصاً.