ولما أتم ما أراد من وصفه، أعرض عن بيانه إشارة إلى أنه من العظمة بحيث إنه يكل عنه الوصف، واستأنف أمر الكتاب المسجون فيه فقال محذراً منه مهولاً لأمره :﴿كتاب﴾ أي عظيم لحفظه النقير والقطمير ﴿مرقوم *﴾ أي مسطور بين الكتابة كما تبين الرقمة البيضاء في جلد الثور الأسود، ويعلم كل من رآه أنه غاية في الشر، وهو كالرقم في الثوب والنقش في الحجر لا يبلى ولا يحمى.
ولما أعلم هذا بما للكتاب من الشر، استأنف الإخبار بما أنتجه مما لأصحابه فقال :﴿ويل﴾ أي أعظم الهلاك ﴿يومئذ﴾ أي إذ يقوم الناس لما تقدم : ولما كان الأصل : لهم، أبدله بوصف ظاهر تعميماً وتعليقاً للحكم به فقال :﴿للمكذبين *﴾ الراسخين في التكذيب بكل ما ينبغي التصديق به.
٣٥٨
ولما أخبر عن ويلهم، وصفهم بما يبين ما كذبوا به ويبلغ في ذمهم فقال :﴿الذين يكذبون﴾ أي يوقعون التكذيب لكل من ينبغي تصديقه، مستهينين ﴿بيوم﴾ أي بسب الإخبار بيوم ﴿الذين *﴾ أي الجزاء الذي هو سر الوجود ﴿وما﴾ أي والحال أنه ما ﴿يكذب﴾ أي وقع التكذيب ﴿به إلا كل معتد﴾ أي متجاوز للحد في العناد أو الجمود والتقليد لأن محطة نسبة من ثبت بالبراهين القاطعة أنه على كل شيء قدير إلى العجز عن إعادة ما ابتدأه ﴿أثيم *﴾ أي مبالغ في الانهماك في الشهوات الموجبة للآثام، وهي الذنوب، فاسود قلبه فعمي بنظر الشهوات التي حفت بها النار عما عداها.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٧
ولما أثبت له الإبلاغ في الإثم، دل عليه بقوله بأداة التحقق :﴿إذا تتلى﴾ أي من أي تال كان، مستعلية بما لها من البراهين ﴿عليه آياتنا﴾ أي العلامات الدالة على ما أريد بيانها له مع ما لها من العظمة بالنسبة إلينا ﴿قال﴾ أي من غير توقف ولا تأمل بل بحظ نفس أوقعه في شهة المغالبة التي سببها الكبر :﴿أساطير الأولين *﴾ أي من الأباطيل وليست كلام الله، فكان لفرظ جهله بحيث لا ينتفع بشواهد النقل كما أنه لم ينظر في دلائل العقل.


الصفحة التالية
Icon