ولما كان سبحانه لا يعذب أحداً إلا بسبب، سبب عن ذنبهم وعدم توبتهم قوله :﴿فلهم﴾ أي خاصة لأجل كفرهم ﴿ولهم﴾ أي مع ذلك في الدارين لأجل فتنتهم لأولياء الله ﴿عذاب الحريق *﴾ أي العذاب الذي من شأنه المبالغة في الإحراق بما أحرقوا من قلوب الأولياء، وقد صدق سبحانه قوله هذا فيمن
٣٧٩
كذب النبي ﷺ بإهلاكهم شر إهلاك مغلوبين مقهورين مع أنهم كانوا قاطعين بأنهم غالبون كما فعل بمن كان قبلهم، فدل ذلك على أنه على كل شيء قدير، فدل على أنه يبدئ ويعيد.
ولما ذكر عقاب المعاندين بادئاً به لأن المقام له، أتبعه ثواب العادبين، فقال مؤكداً لما لأعدائهم من إنكار ذلك :﴿إن الذين آمنوا﴾ أي أقروا بالإيمان ولو على أدنى الوجوه من المقذوفين في النار وغيرهم من كل طائفة في كل زمان ﴿وعملوا الصالحات﴾ تصديقاً لإيمانهم وتحقيقاً لهز ولما كان الله سبحانه من رحمته قد تغمد أولياءه بعنايته ولم يكلهم إلى أعمالهم لم يجعلها سبب سعادتهم فلم يقرن بالفاء قوله :﴿لهم﴾ أي جزاء مقاساتهم لنيران الدنيا من نار الأخدود الحسية التي ذكرت، ومن نيران الغموم والأحزان المعنوية التي يكون المباشر لأسبابها غيره سبحانه فيكون المقاسي لها مع حفظه للدين كالقابض على الجمر ﴿جنّات﴾ أي فضلاً منه ﴿الأنهار﴾ لتلذذون ببردها في نظير ذلك الحر الذي صبروا عليه في الدنيا ويروقهم النظر غليها مع خضرة الجنان والوجوه الحسان الجالبة للسرور الجالية للأحزان.
ولما ذكر هذا الذي يسر النفوس ويذهب البؤس، فذلكه بقوله :﴿ذلك﴾ أي الأمر العالي الدرجة العظيم البركة ﴿الفوز﴾ أي الظفر بجميع المطالب لا غيره ﴿الكبير *﴾ كبراً لا تفهمون منه أكثر من ذكره بهذا الوصف على سبيل الإجمال، وذلك أن من كبره أن هذا الوجود كله يصغر عن أصغر شيء منه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٧٨


الصفحة التالية
Icon