ولما ذكر سبحانه بطشه، وكان القادر على العنف قد لا يقدر على اللطف، وإن قدر فربما لم يقدر على الإبلاغ في ذلك، وكان لا يقدر على محو الذنوب أعيانها وآثارها على كل أحد بحيث لا يحصل لصاحبها عقاب ولا عتاب من أحد أصلاً إلا من كان قادراً على كل شيء، قال مبيناً لجميع ذلك دليلاً على أنه الفاعل المختار، ومؤكداً لخروجه عن العوائد :﴿وهو﴾ أي وحده ﴿الغفور﴾ أي المحاء لأعيان الذنوب وآثارها إذا أراد بحيث لا يحصل لمن محا ذنبه كدر من جهة ذلك الذنب أصلاً ﴿الودود *﴾ أي الذي يفعل بمن أراد فعل المحب الكثير المحبة فيجيبه إلى ما شاء ويلقي على صاحب الذنب الذي محاه عنه وداً أي محبة كبيرة واسعة يجعل له في قلوب الخلق رحمة، ومادة " ود " تدور على الاتساع كما بينته في سورة الروم، وزاد الأمر تأكيداً بذكر ما لا ينازع أصلاً في اختصاصه به تشريفاً له وتنبيهاً على أنه أعظم المخلوقات :﴿ذو العرش﴾ أي العز الأعظم أو السرير الدال على اختصاصه الملك بالملك وانفراده بالتدبير والسيادة والسياسة، الذي به قوام الأمور ﴿المجيد *﴾ أي الشريف الكريم العظيم في ذاته وصفاته الحسن الجميل الرفيع العالي الكثير العطاء - هذا إذا رفع على أنه صفة لـ " ذو " وكذا إن جر على أنه صفة للعرش في قراءة حمزة والكسائي.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٨٠
ولما كان الاختصاص يدل قطعاً على كمال القدرة، أنتج ذكر هذه الاختصاصات قوله :﴿فعّال﴾ أي على سبيل التكرار والمبالغة ﴿لما يريد *﴾ لا يؤده شيء من الأفعال سواء كانت منسوبة إليه من غير واسطة أو نسبت في الظاهر إلى غيره.


الصفحة التالية
Icon