ولما كان التقدير : لأنه لا بد له من العرض على الخالق سبحانه وتعالى لأن التوكيل بالإنسان لا يكون إلا لعرضه على الملك الديان صاحب الأمر والبرهان ومحاسبته له على ما كان، كان التقدير : يحفظ أعمالها ويكتبها ليحاسبها الملك على ذلك، فتسبب عنه قوله تعالى :﴿فلينظر﴾ أي بالصيرة ﴿الإنسان﴾ أي الآنس بنفسه الناظر في عطفه إن كان يسلك في ذلك ﴿مم﴾ أي من أي شيء، وبنى للمفعول العامل في من أمر بالنظر وهو قوله :﴿خلق *﴾ إعلاماً بأن الدال هو مطلق الخلق، وتنبيهاً على تعظيم الفاعل بأن العلم به غير محتاج إلى ذكره باللفظ لأنه لا يقدر على صنعة من صنائعه غيره، وأمر الإنسان بهذا النظر ليعلم بأمر مبدئه أمر معاده، فإن نم قدر على الابتداء قدر على الإعادة قطعاً، فإذا صح عنده ذلك اجتهد في أن لا يملي على حافظيه إلا ما يرضي الله تعالى يوم عرضه على الملك الديان ليسره وقت حسابه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٨٥
ولما نبه بالاستفهام على أن هذا أمر جداً ينبغي لكل أحد أن يترك جميع مهماته ويتفرغ للنظر فيه فإنه يكسبه السعادة الأبدية الدائمة، وكان الإنسان - مع كونه ضعيفاً عاجزاً - لا ينفك عن شاغل ومفتر، فلا يكاد يصح له نظر، تولى سبحانه وتعالى شرح ذلك عنه فأجاب الاستفهام بقوله :﴿خلق﴾ أي الإنسان على أيسر وجه وأسهله بعد خلق أبيه آدم عليه الصلاة والسلام من تراب، وأمه حواء عليها السلام من ضلعه ﴿من ماء دافق *﴾ أي هو - لقوة دفق الطبيعة له - كأنه يدفق بنفسه فهو إسناد مجازي، والدفق لصاحبه، أو هو مثل " لابن " أي ذي وفق، والدفق صب فيه دفع، ولم يقل : ماءين - إشارة إلى أنهما يجتمعان في الرحم ويمتزجان أشد امتزاج بحيث يصيران ماءً واحداً.
ولما كان المراد به ماء الرجل وماء المرأة قال :﴿يخرج﴾ وبعض بإثبات الجار
٣٨٨


الصفحة التالية
Icon