ولما كان الإنسان محتاجاً في أن تكون حياته طيبة ليتمكن مما يريد إلى ثلاثة أشياء : كبير ينتمي إليه ليكون له به رفعة ينفعه بها عند مهماته، ويدفع عنه عند ضروراته، ومقتدى يربط به نفسه عند ملماته، وطريقة مثلى ترتكبها كما أشار إليه قوله ﷺ "رضيت بالله رباً وبمحمد ﷺ نبياً ورسولاً وبالإسلام ديناً" أرشده ﷺ إلى أن الانقطاع إليه أعلى الجاه، فقال واصفاً لمن أمره بتسبيحه بإثبات ما له من الواجبات بعد نفي المستحيلات كما أشار إليه " سبحانك وبحمد " :﴿الأعلى *﴾ أي الذي له وصف الأعلوية في المكانة لا المكان على الإطلاق عن كل شائبة نقص وكل سوء من الإلحاد في شيء من أسمائه بالتأويلات الزائغة وإطلاقه إلى غييره مع زعم أنهما فيه سواء، وذكره خالياً عن التعظيم وغير ذلك ليكون راسخاً في التنزيه فيكون من أهل العرفان الذين يضيئون على الناس مع كونهم في الرسوخ كالأوتاد الشامخة التي هي مع علوها لا تتزحزح، وقد ذكر سبحانه هذا المعنى معبراً عنه بجميع جهاته الأربع في ابتداء سور أربع استيعاباً لهذه الكلمة الحسنى الشريفة من جميع جهاتها.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٩٣
فابتداء سورة الإسراء التي هي سورة الإحسان بـ " سبحان " المصدر الصالح لجميع معانيه إعلاماً بأن هذا المعنى ثابت له مطلقاً غير مقيد بشيء من زمان أو غيره، ثم ثنى بالماضي في أول الحديد والحشر والصف تصريحاً بوقوع ما أفهمه المصدر في الماضي الذي يشمل أزل الآزال إلى وقت الإنزال، ثم ثلث في أول الجمعة والتغابن بالمضارع لأن يفهم مع ما أفهم المصدر والماضي دوام التجدد، فلما تم ذلك من جميع وجوهه توجه الأمر فخصت به سورته، وقد مضى في أول الحديد والجمعة ما يتمم هذا.