ولما كان سبحانه وتعالى ينسخ من الشريعة ما يشاء بحسب المصالح تخفيفاً لما له بهذه الأمة من الرفق، قال لافتاً القول إلى سياق الغيبة إعلاماً بأن ذكر الجلالة أعظم من التصريح بأداة العظمة :﴿إلا ما شاء الله﴾ أي الملك الأعظم الذي له الأمر كله، أن تنساه لأنه نسخه، أو لتظهر عظمته في أن أعظم الخلق يغلبه القرآن لأنه صفة الله فتنسى الآية أو الكلمة ثم تذكرهاتارة بتذكير أحد من آحاد أمتك وتارة بغير ذلك.
ولما كان الفاعل لهذه الأمور كلها لا سيما الإقراء والحكم على ما يقرأ بأنه لا ينسى إلا ما شياء منه إلاّ يكون لا محيط العلم، قال تعالى مصرحاً بذلك مؤكداً لأجل إنكار أهل القصور في النظر لمثله جارياً على أسلوب الغيبة معبراً بالضمير إشارة إلى تعاليه في العظمة إلى حيث تنقطع أماني الخلق عن إدراكه بما كثر من أفعاله :﴿أنه﴾ أي الذي مهما شاء كان ﴿إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون﴾ [النحل : ٤٠].
ولما كان المراد بيان إحاطة علمه سبحانه وتعالى، وأن نسبة الجلي والخفي من جهره بالقرآن وترديده على قلبه سراً وغير ذلك إليه على حد سواء، وكان السياق للجلي، ذكرهما مصرحاً بكل منهما مقدماً الجلي لأن هذا مقامه، وذكره بوصفه معبراً عنه بالاسم الدال على إحاطة علمه به فقال :﴿يعلم الجهر﴾ أي ثابت له هذا الوصف على سبيل التجدد والاستمرار في الإقراء والقراءة وغيرهما.
ولما ذكره باسمه ليدل على أنه يعلمه مطلقاً لا بقيد كونه جهراً، قال مصرحاً بذلك :﴿وما يخفى *﴾ أي يتجدد خفاؤه من القراءة وغيرها على أي حالة كان الإخفاء، فيدل على علمه به إذا جهر به بطريق الأولى.
ولما ذكر الإلهيات والنبوة وأشير إلى النسخ، أشار إلى أن الدين المشروع له هو الحنيفية السمحة، وأنه سبحانه وتعالى لا يقيمه في شيء بنسخ أو غيره إلا كان هو الأيسر له والأرفق، لأن الرفق والعنف يتغيران بحسب الزمان، فقال مبيناً للقوة العلمية
٣٩٧


الصفحة التالية
Icon