أثر بيانه للعلمية :﴿ونيسرك﴾ أي نجعلك أنت مهيأ مسهلاً مليناً موفقاً ﴿لليسرى *﴾ أي في حفظ الوحي وتدبره وغير ذلك من الطرائق والحالات كلها التي هي لينة سهلة خفيفة - كما أشار إليه قوله :"كل ميسر لما خلق له" ولهذا لم يقل : ونيسر لك، لأنه هو مطبوع على حبها.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٩٧
ولما كمله ﷺ وهيأه سبحانه وتعالى للأيسر ويسره غاية التيسير، سبب عنه وجوب التذكير لكل أحد في كل حالة تكميلاً لغيره شفقة على خلق الله بعد لما له في نفسه فإن لله ساعات له فيها نفحات تقضى فيها الحاجات، وذلك لأنه قد صار كالطبيب الحاذق في علاج المرضى فيقوم بنفع عباده لشكره بعد ذكره بإذن منه إشارة إلى التلميذ يحتاج إلى إذن المشايخ وتزكيتهم، وإلى أن أعظم الأدواء أن يقتصر الإنسان على ما عنده ولا يطلب الازياد مما ليس عنده من خير الزاد فقال تعالى :﴿فذكر﴾ أي بهذا الذكر الحكيم، وعبر بأداة الشك إفهاماً للإطلاق الكليّ فقال :﴿إن نفعت الذكرى *﴾ أي إن جوزت نفعها وترجيته ولو كان على وجه ضعيف - بما أشار إليه تأنيث الفعل بعد ما أفادته أداة الشك، ولا شك أن الإنسان لعدم علمه الغيب لا يقطع بعدم نفع أحد بل لا يزال على رجاء منه وإن استبعده، ولهذا كان النبي ﷺ لا يزال يدعو إلى الله تعالى وإن اشتد الأمر، ولا يحقر أحداً أن يدعوه ولا ييأس من أحد وإن اشتد عليه، والأمر بالإعراض عمن تولى ونحو ذلك إنما هو بالإعراض عن الحزن عليه ومن تقطيع النفس لأجله حسرات ونحو ذلك.


الصفحة التالية
Icon