ولما هول أمرها بانبهامها وعمومها، زاد في التهويل بما ذكر من أحوالها في تفصيل الناس إلى شقي وسعيد، وبدأ بالشقي لأن المقام لإنذار المؤثرين للحياة الدنيا، وسوّغ الابتداء بالنكرة التفصيل فقال :﴿وجوه﴾ أي كثيرة جداً كائنة ﴿يومئذ﴾ أي إذ تغشى الناس ﴿خاشعة *﴾ أي ذليلة مخبتة من الخجل والفضيحة والخوف والحسرة التي لا تنفع في مثل هذا الوقت ﴿عاملة﴾ أي مجتهدة في الأعمال التي تبتغي بها النجاة حيث لا نجاة بفوات دار العمل فتراها جاهدة فيما كلفتها به الزبانية من جر السلاسل والأغلال وخوص الغمرات من النيران ونحو ذلك كأن يقال له : أدّ الأمانة ثم تمثل له أمانته في قعر جهنم، فتكلف النزول إليها وهكذا، وهذا بما كان يهمل العمل في الدنيا ﴿ناصبة *﴾ أي هي في ذلك في غاية التعب والدؤوب في العمل والاجتهاد - هذه رواية العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وذلك لأنهم لم يخشوا الله في الدنا فلم يعملوا له فلم ينصبوا في طاعته أجسادهم فاضطرهم في ذلك اليوم إلى أعظم مما أبوه في الدنيا مع المضرة دون المنفعة، ويجوز أن يراد بها الذين تعبوا ونصبوا في الدنيا أجسامهم وهم على غير دين الإسلام كالرهبان من النصارى بعد النسخ وزنادقة المتصوفة من الفلاسفة وأتباعهم، بأن يكون (وجوه) مبتدأ و(يومئذ) خبره أي كائنة يومئذ، ثم يقدر ما بعده في جواب سؤال سائر يقول : ما شأنها ؟ فأجيب بقوله خاشعة، أي في الدنيا - إلى آخره، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عطاء عنه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٤