ولما ذكر العالي من الحيوان الملابس للانسان والعالي من الأكوان، أتبعه أعلى الأعرض فقال تعالى :﴿وإلى الجبال﴾ أي الشامخة وهي أشد الأرض ﴿كيف نصبت *﴾ أي كان نصبها من ناصبها عالية جداً على بقية الأرض بلا موجب فيها لذلك من طبيعة ولا غيرها بل بفعل الفاعل المختار فهي راسخة لا تميل، فوضعها كذلك على ما فيها من المنافع من المياه الجارية والأشجار المختلفة أعجب من وضع الأكواب والنمارق المزينة، وبها مع ذلك ثبتت الأرض وحفظت من الميد، واعتدل أمر الكواكب في تقدير الليل والنهار باعتدال البلاد بالطلق بإعلاء بعضها قبل بعض حتى كانت المطالع والمغارب على ترتيب مطرد ونظام محكم غير منخرم تقدر به الأزمان والفصول والسنون والأيام والشهور - إلى غير ذلك من الأمور، ولا يكون ذلك لها إلا بقاهر قادر مختار لا شريك له.
ولما كان الخفض لا يكون إلا بخافض قاهر كما أن الرفع كذلك قال تعالى :﴿وإلا الأرض﴾ أي مع سعتها ﴿كيف سطحت *﴾ أي اتفق بسطها من باسطها حتى صارت مهاداً موضوعاً يمشي عليه بغاية السهولة، والقدرة على جعلها كذلك على ما هي فيه من الزينة بناصر النبات وغير ذلك من الاختلافات دالة على الفعل بالاختيار، وليست بدون القدرة على بث الزرابي في الجنة على اختلاف أشكالها وصورها وألوانها.


الصفحة التالية
Icon