ولما دل ما ذكر من عجائب صنعه في أنواع المخلوقات من البسائط والمركبات العلويات ولاسفليات على كمال قدرته على كل شيء، فدل على كمال قدرته - على البعث وعلى كل ما ذكر أنه يفعله في الجنة والنار، وكان الحث على النظر في هذه الأشياء باستفهام إنكاري، وكان ذلك مفيداً لانتفاء النظر، قال سبحانه مسبباً عنه :﴿فذكر﴾ كل من يرجى تذكره وانتفاعه بالتذكير يا أشرف خخلقنا بما في غرائزهم وفطرهم من العلم الأولى بما في هذه الأشياء وأمثالها مما يدل على صحة ما نزلنا عليك ليدلهم على كمال قدرة الذي بعثك فينقادوا لك أتم انقياد لا سيما في اعتقاد حقية البعث، ولا يهمنك كونهم لا ينظرون ولا يتطرفون، ولعل التذكير يوصل المتذكر إذا أقبل عليه بحسن رغبة إلى أن يعرف أن الإبل تشبه الأنفس المطمئنة الذلولة المطيعة المنقادة،
٤١١
والسماء تشبه الأرواح القدسية النورانية، والجبال تشبه العقول والمعارف الثابتة الراسخة، والأرض تشبه البدن المشتمل على الأعضاء والأركان.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٩
ولما كانت هذه السورة مكية من أوائل ما أنزل، وكان مأموراً إذ ذاك بالصفح قال :﴿إنما أنت مذكر *﴾ أي لا مقاتل قاهر قاسر لهم على التذكر والرجوع، فلا عليك إن لم ينظروا ولم يتذكروا لأنه ما عليك إلا البلاغ، ولذلك قال ﴿لست﴾ وأشار إلى القهر بأداة الاستعلاء فقال :﴿عليهم﴾ أي خاصة ﴿بمصيطر *﴾ أي بمتسلط، وأما غيرهم فسنسلطك عليهم عن قريب، وقرأها الكسائي بالسين على الأصل.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٩


الصفحة التالية
Icon