ولما كان قوله في الأول " فأكرمه ونعمه " كناية عن " فوسع عليه " قابله هنا بقوله :﴿فقدر﴾ أي ضيق تضييق من يعمل الأمر بحساب وتقدير ﴿عليه رزقه﴾ فهو كناية عن الضيق كما أن العطاء بغير حساب كناية عن السعة، فجعله بمقدار ضرورته الذي لا يعيش عادة بدونه، ولم يجعله فيه فضلاً عن ذلك ولم يقل " فأهانه " موضع " قدر عليه " تعليماً للأدب معه سبحانه وتعالى وصوناً لأهل الله عن هذه العبارة لأن أكثرهم مضيق عليه في دنياه، ولأن ترك الإكرام لا ينحصر في كونه إهانة ﴿فيقول﴾ أي الإنسان بسبب الضيق :﴿ربي﴾ أي المربي لي ﴿أهانن *﴾ فيهتم لذلك ويضيق به ذرعاً، ويكون ذلك أكبره همه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤١٨
ولما كان نسبة هذا إليه توبيخاً وتقريعاً لقصور نظره فإن الإقتار قد يؤدي إلى سعادة الدارين، والتوسعة قد تؤدي إلى شقاوتهما، وهذا أكثر ما يوجد، قال ردعاً عن مثل هذا القول بأعظم أدوزات الزجر معللاً للتوسعة والإقتار :﴿كلا﴾ أي إني لا أكرم بتكثير الدنيا ولا أهين بتقليلها، لا التوسعة منحصرة في الإكرام ولا التضييق منحصر في الإهانة والصغار، وإنما أتتهم الإهانة من حيث إنهم لا يطيعون الله، وربما كان بالتوسعة، وربما كانت بالإقتار، فربما عصى فوسع عليه إهانة له، وهذا لمن يريد بالتوسعة، وربما كانت بالإقتار، فربما عصى فوسع عليه إهانة له، وهذا لمن يريد سبحانه به الشقاء فيعجل له طيباته في الدنيا استدراجاً، وربما عصى فضيق عليه إكراماً له لأن ذلك يكفر عنه، وفي الصحيح في حديث أقرع وأبرص وأعمرى في بني إسرائيل شاهد عظيم لذلك.