ولما زجر عن اعتقاد أن التوسعة للاكرام والتضييق للاهانة، ذكر أن معيار من جبل على حب الطاعة ومن جبل على حب المعصية بغض الدنيا وحبها، فقال معرباً عن كلام الإنسان في الشقين وأفرد أولاً لأنه أنص على التعميم وجمع ثانياً إعلاماً بأن المراد الجنس ﴿بل﴾ أي يستهينون بأمر الله بما عندهم من العصيان، فيوسع على بعض من
٤١٩
جبل على الشقاء إهانة له بالاستدراج ويضيق على بعض من لم يجبل على ذلك إكراماً له وردعاً عن اتباع الهوى ورداً إلى الإحسان إلى الضعفاء، وترجم هذا العصيان الذي هو سبب الخذلان بقوله :﴿لا يكرمون﴾ أي أكثر الناس ﴿اليتيم *﴾ بالإعطاء ونحوه شفقة عليه ورحمة له لأنه ضعيف لا يرجى من قبله نفع بثناء ولا غيره.
ولما كان الإنسان لا يمنعه من حث غره على الخير إلا حب الدنيا إن كان المحثوث أعظم منه فيدخره لحوائجه وإن كان مثله فإنه يخشى أن يقارضه بذلك فيحثه على مسكين آخر، وكان الإحسان بالحث على الإعطاء أعظم من الإعطاء لأنه يلزم منه الإعطاء بخلاف العكس، قال :﴿ولا يحضون﴾ أي يحثون حثاً عظيماً لأهلهم ولا لغيرهم ﴿على طعام المسكين *﴾ أي بذله له سخاء وجوداً، فكانت إضافته إليه إشارة إلى أنه شريك للغني ما له بقدر الزكاة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤١٩
ولما دل على حب الدنيا بأمر خارجي، دل عليه بأمر في الإنسان فقال تعالى :﴿ويأكلون﴾ أي على سبيل التجديد والاستمرار ﴿التراث﴾ أي الميراث، أصله وراث أبدلت الواو تار، وكأنه عبر عنه به دلالة على أخذ الظاهر الذي تشير إليه الواو، والتفتيش عن الباطن المشار إليه بمخرج التاء تفتيشاً ربما أدى إلى أخذ بعض مال الغير :﴿أكلاً لمّاً *﴾ أي ذا لمَّ أي جمع وخلط بين الحلال والحرام فإنهم كانوا لا يؤرثون النساء ولا الصبيان ويأكلون ما جمعه المؤرث وإن كانوا يعلمون أنه حرام ويقولون : لا يستحق المال إلا من يقاتل ويحمي الحوزة.


الصفحة التالية
Icon