جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤١٩
ولما كانت جهنم لا تأتي بنفسها لأنها لو أتت بنفسها لربما ظن أنها خارجة عن
٤٢١
القدرة بل تقودها الملائكة، فكلما عالجوها ذهاباً وإياباً حصل للناس من ذلك من الهول ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وكان المهول نفس المجيء بها لا تعيين الفاعلين، لذلك بني للمفعول قوله :﴿وجاء﴾ أي بأسهل أمر ﴿يؤمئذ﴾ أي إذ وقع ما ذكر ﴿بجهنم﴾ أي النار التي تتجهم من يصلاها، روي أنه يؤتى بها لها سبعون ألف زمان مع كل زمام سبعون ألف ملك، وهو كقوله تعالى :﴿وبرزت الجحيم لمن يرى﴾ [النازعات : ٣٦] وأبدل من " إذا " توضيحاً لطول الفصل وتهويلاً قوله :﴿يومئذ﴾ أي إذ وقعت هذه الأمور فرأى الإنسان ما أعد للشاكرين وما أعد للكافرين.
ولما قدم هذه الأمور الجليلة والقوارع المهمولة اهتماماً بها وتنبيهاً على أنها، لما لها من عظيم الموعظة، جديرة بأن يتعظ بها كل سامع، ذكر العامل في ظرفها وبدله فقال :﴿يتذكر الإنسان﴾ أي على سبيل التجديد والاستمرار فيذكر كل ما كان ينفعه في الدنيا وما يضره فيعلم أن حبه للدنيا لم يفده إلا خساراً، لا زاد بحبها شيئاً لم يكتب له ولا كان ينقصه بذلها شيئاً كما كتب له أو بذلها، وإذا تذكر ذلك هان عليه الذل، وليست تلك الدار دار العمل، فلذلك قال :﴿وأنى﴾ أي كيف ومن أي وجه ﴿له الذكرى *﴾ أي نفع التذكر العظيم فإنه في غير موضعه، فلا ينفعه أصلاً بوجه من الوجوه لفوات دار العمل، ولا يقع بذلك على شيء سوى الندم وتضاعف الغم والهم والآلام.