ولما قدره سبحانه على ما ينشأ عنه شهوتا تحصيل المليح ونفي القبيح، اتبع ذلك ما ينشأ شهوتا الأمر والنهي وأنواع الكمالات الكمالية فقال :﴿ولساناً﴾ أي يترجم به عما في ضميره ﴿وشفتين *﴾ أي يستران فاه ويعينانه على الأكل والشرب وعلى النطق بفصاحة وبلاغة على حد معلوم لا يبلغه غيره، فيجتمع له أمره ويصل إلى مقاصد جمة وأهوال مهمة، ولم يذكر السمع لأن الكلام يستلزمه، والمعنى : ألسنا قادرين بالقدرة التي جعلنا له بها ما ذكر على أن نجعل لغيره مثل ما جعلنا له وأكثر فيقاومه ويغلبه.
ولما كان لله تعالى على كل أحد في كل لمحة جديدة في إبقاء هذه الآلات الثلاث، عبر فيها بالمضارع، ولما كانت النعمة في العقل إنما هي بهبته أولاً ثم بحمله به على الخير ثانياً، وكان أمره خفياً، وكان من المعلوم أن كل أحد غير مهدي في كل حركاته وسكناته إلى ما يسعده، بل كان هذا المنكر عليه لم يؤهل لطريق الخير، اختير له لفظ الماضي لذلك تحقيقاً لكونه وجعله غريزة لا تتحول وطبيعة لا تتبدل، بل هي غالبة على صاحبها، قائدة إلى مضارة أو محابة ومسارة وإن كره، وهو السبب الذي يكون به الخلاص من شر تلك الأنكاد في دار الإسعاد فقال تعالى :﴿وهديناه﴾ أي بما آتيناه من العقل ﴿النجدين *﴾ أي طريقي الخير والشر، وصار بما جعلناه له من ذلك سميعاً بصيراً عالماً فصار موضعاً للتكليف، روى الطبراني عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله ﷺ :"يا أيها الناس! هلموا إلى ربكم فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، يا أيها الناس إنما هما نجدان : نجد خير ونجد شر، فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير" قال المنذري : النجد هنا الطريق - انتهى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٢٨
وهو طريق في ارتفاع، عبر عن الخير والشر به لإعلائهما الإنسان عن رتبة باقي الحيوان، ولأن الإنسان
٤٣٠


الصفحة التالية
Icon