واتضحت في صفاتنا العظمة، وتحقق له الضعف وظهر منه النقص والعجز، فوجب عليه لعزتنا الخضوع، وإجراء مصون الدموع وإظها الافتقار والذل والصغار، لنقحمه سبيل الجنة وننجيه من طريق النار، ومن اقتحم هذه العقبة التي هي للأعمال الصالحة اقتحم عقبة الصراط، فكانت سهولتها عليه بقدر مكابدته لهذه، واستراح من تلك المكابدات والأحزان والهموم وصار إلى حياة طيبة كما قال الله تعالى ﴿من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة﴾ [النحل : ٩٧] الآية، وقتحامها بأن يرتحل من عالمه السافل إلى العالم العالي الكامل الذي ليس فيه إلا اللذة، وذلك هو الاعتراف بحق العبودية، وتلك هي الحرية لأن الحر من خرج من رق الشهوات إلى خدمة المولى، فصار طوع أمره في سره وجهره لا حظ لشهوة فيه ولا وصول لحظ إليه، وذلك يكون بشيئين : أحدهما جذب والآخر كسب، فالمجذوب محمول.
والكاسب في تعب المجاهدات بسيف الهمة العالية مصول.
ولما بين أنه لا خلاص من النكد إلا بهذا الاقتحام، شرع في تفسير العقبة بادئاً بتهويل أمرها لعظيم قدرها، فقال معبراً بالماضي الذي جرت عادة القرآن بأنه إذا عبر به شرح المستفهم عنه :﴿وما أدراك﴾ أي أيها السامع لكلامنا، الراغب فيما عندنا ﴿ما العقبة *﴾ أي إنك لم تعرف كنه صعوبتها وعظمة ثوابها، فلما تفرغ القلب بالاستفهام عما لا يعرفه، وكان الإنسان أشهى ما إليه تعرف ما أشكل عليه، فتشوفت النفوس إلى
٤٣٢