ولما ذكر المتخالطين معنى، أتبعهما المتخالطين حساً، فقال مصرحاً فيهما بما هو مراد في الأول، وخص هذا بالصريح تنبيهاً على أنه لكونه عاقلاً - عاقد يغلط في نفسه فيدعي الإلهية أو الاتحاد، أو غير ذلك من وجوه الإلحاد ﴿وما خلق﴾ وحكم التعبير بما الأغلب فيه غير العقلاء ما تقدم في سورة الشمس من تنبيههم على أنهم لما أشركوا به سبحانه وتعالى ما لا يعقل نزلوه تلك المنزلة وقد أحاط بكل شيء، وهو الذي خلق العلماء، وهم لا يحيطون به علماً مع ما يفيده " ما " من التعجب منهم في ذلك لكونها صيغة التعجب ﴿الذكر﴾ أي حساً بآلة الرجل ومعنىً بالهمة والقوة ﴿والأنثى﴾ حساً بآلة المرأة ومعنىً بسفول الهمة وضعف القوة وما دلاّ عليه من عظيم الاصطناع، وباهر الاختراع والابتداع، فإنه دل علمه وفعله بالاختيار، فالآية من الاحتباك : ذكر أولاً الصنعة دلالة على حذفها ثانياً، وثانياً الصانع دلالة على حذفه أولاً.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٤٥
ولما ذكر ما هو محسوس التخالف من المعاني والأجرام، أتبعه ما هو معقول التباين من الأعراض فقال :﴿إن سعيكم﴾ أي عملكم أيها المكلفون في التوصل إلى مقصد واحد، ولذلك أكده لأنه لا يكاد يصدق اختلاف وجوه السعي مع اتحاد المراد، وعبر بالسعي ليبذل كل في عمله غاية جهده ﴿لشتى *﴾ أي مختلف اختلافاً شديداً باختلاف ما تقدم، وهو جمع شتيت كقتلى وقتيل، فيكون الإنسان رجلاً وهو أنثى الهمة، ويكون أنثى وهو ذكر الفعل، فتنافيتم في الاعتقادات، وتعاندتم في المقالات، وتباينتم غاية التباين بأفعال طيبات وخبيثات، فساع في فكاك نفسه، وساع في إيثامها، فعلم قطعاً أنه لا بد من محق ومبطل ومرض ومغضب لأنه لا جائز أن يكون المتنافيان متحدين في الوصف بالإرضاء أو الإغضاب، فبطل ما أراد المشركون من قولهم
٤٤٦
﴿لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء﴾ [النحل : ٣٥] الآية وما ضاهاها.


الصفحة التالية
Icon