ولما طابق بين القسم والمقسم عليه، ونبه بالقسم والتأكيد مع ظهور المسقم عليه على أنهم في أمنهم مع التحذير كمن يدعي أنه لا فرق وأن مآل الكل واحد كما يقوله أصحاب الواحدة - عليهم الخزي واللعنة شرع في بيان تشتت المساعي وبيان الجزاء لها، فقال مسبباً عن اختلافهم ما هو مركوز في الطباع من أنه لا يجوز تسوية المحسن بالمسيء ناشراً لمن زكى نفسه أو دساها نشراً مستوياً إيذاناً بأن المطيع فيه هذه الأمة - ولله الحمد - كثير بشارة لنبيها ﷺ :﴿فأما من أعطى﴾ أي وقع منه إعطاء على ما حددنا له وأمرناه به ﴿واتقى *﴾ أي وقعت منه التقوى وهو اتخاذ الوقايات من الطاعات واجتناب المعاصي خوفاً من سطواتنا ﴿وصدق﴾ أي أوقع التصديق للمخبر ﴿بالحسنى *﴾ أي وهي كلمة العدل التي هي أحسن الكلام من التوحيد وما يتفرع عنه من الوعود الصادقة بالآخرة والإخلاف في النفقة في الدنيا وإظهار الدين وإن قل أهله على الدين كله، وغير ذلك من كل ما وعد به الرسول ﷺ سبحانه وتعالى، وعدل الكلام إلى مظهر العظمة إشارة إلى صعوبة الطاعة على النفس وإن كانت في غاية اليسر في نفسها لأنها في غاية الثقل على النفس فقال :﴿فسنيسره﴾ أي نهيئه بما لنا من العظمة بوعد لا خلف فيه ﴿لليسرى *﴾ أي الخصلة التي هي في غاية اليسر والراحة من الرحمة المقتضية للعمل بما يرضيه سبحانه وتعالى ليصل إلى ما يرضى به من الحياة الطيبة ودخول الجنة.
٤٤٧
ولما ذكر المزكي وثمرته، أتبعه المدسي وشقوته فقال :﴿وأما من بخل﴾ أي أوجد هذه الحقيقة الخبيثة فمنع ما أمر به وندب إليه ﴿واستغنى﴾ أي طلب الغنى عن الناس وعما وعد به من الثواب وأوجده بما زعمت له نفسه الخائبة وظنونه الكاذبة.