ولما كان هذا مقاماً ليس فوقه مقام، قال تعالى بعد وعده من الإنجاء من النار :﴿ولسوف يرضى *﴾ أي بإعطاء الجنة العليا والمزيد بوعد لا خلف فيه بعد المذلة في الحياة الطيبة - بما أشارت إليه أداة التنفيس ولا بدع أن يكون هذا الوعد على هذا الوجه الأعلى لأن الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين اشترى بلالاً رضي الله عنه في جماعة من الضعفاء المسلمين يؤذيهم المشركون فأعتقهم، فبين تعالى أنه مطبوع على تزكية نفسه فهو المفلح كما ذكر في سورة الشمس، وأنه مخلص لإعطائه الضعفاء من الأيتام والمساكين وإعتاقه الضعفاء في كل حال كما ذكر في سورة البلد، نقل البغوي رضي الله تعالى عنه عن الزبير يعني ابن بكاري أنه قال : كان أبو بكر رضي الله عنه يبتاع الضعفاء فيعتقهم فقال له أبوه : أي بني! لو كنت تبتاع من يمنع ظهرك، قال : منع ظهري أريد.
وقال : إنه أعتق بلالاً وأم عميس وزهرة فأصيب بصرها حين أعتقها، فقالت قريش : ما أهذب بصرها إلا اللات والعزى، فقالت : كذبوا وبيت الله، ما تضر
٤٥٠
اللات والعزى ولا تنفعان، فرد الله عليها بصرها، وأعتق النهدية وابنتها وجارية بني المؤمل.
وقال : إنه اشترى بلالاً من أمية بن خلف استنقاذاً له مما كان فيه من العذاب حين كان يشد يديه ورجليه وقت الهاجرة ويلقيه عرياناً على الرمضاء ويضربه، وكلما ضربه صاح ونادى : أحد أحد، فيزيده ضرباً فاشتراه بعبد كان لأبي بكر رضي الله عنه، كان ذلك العبد صاحب عشرة الآف دينار وغلمان وجواء ومواش وكان مشركاً، فلما اشتراه به وأعتقه قال المشركون : ما فعل هذا ببلال إلا ليد كانت لبلال عنده، يعني فأنزل الله ذلك تكذيباً لهم.