بما يفهم إخلاصه لأنه ليس لأشرف ما فيه اسم يخصه فقال :﴿والّيل﴾ أي الذي به تمام الصلاة ؛ ولما كان أوله وآخر النهار وآخره وأول النهار ضوءاً ممتزجاً لظلمة لالتفات ساق الليل بساق النهار، قيد بالظلام الخالص فقال :﴿إذا سجى *﴾ أي سكن أهله أو ركد ظلامه وإلباسه وسواده واعتدل لخفلص فغطى بظلامه كل شيء، والمستجي : المتغطي، ومع تغطيته سكنت ريحه، فكان في غاية الحسن، ويمكن أن يكون الأول مشيراً إلى ما يأتي به هذا الرسول ﷺ من المحكم، والثاني مشيراً إلى المتشابه، وهذا الأربعة الأحوال للنور والظلمة - وهي ضوء ممتزج بظلمة، وظلمة ممتزجة بضوء، وظلام خالص - الحاصلة في الآفاق في الإنسان مثلها، فروحه نور بنور القلب، فإن قويت شهوة النفس على نورانية القلب أظلم جميعه، وإن قويت نورانية القلب على ظلمة النفس صار نورانياً، وإن غلب الروح على الطبع تروحن فارتفع عن رتبة الملائكة، وإن غلب الطبع على الروح أنزله عن رتبة البهائم كما قال تعالى :﴿إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً﴾ [الأعراف : ١٧٩].
ولما أقسم بهذا القسم المناسب لحاله ﷺ، أجابه بقوله تعالى :﴿ما ودعك﴾ أي تركك تركاً يحصل به فرقة كفرقة المودع ولو على أحسن الوجوه الذي هو مراد المودع ﴿ربك﴾ أي الذي أحسن إليك بإيجادك أولاً، وجعلك أكمل الخلق ثانياً، ورباك أحسن تربية ثالثا، كما أنه لا يمكن توديع الليل للنهار بل الضحى للنهار الذي هو أشد ضيائه، ولا يمكن توديع الضحى للنهار ولا الليل وقت سجوه له.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٥٢


الصفحة التالية
Icon