وقال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير : لما قال تعالى :﴿فألهمها فجورها وتقواها﴾ [الشمس : ٨] ثم أتبعه بقوله في الليل :﴿فسنيسره﴾ [الليل : ٧ - ١٣] وبقوله :﴿إن علينا للهدى وإن لنا للآخرة والأولى﴾ [الليل : ٧ - ١٣]، فلزم الخوف واشتد الفزع وتعين على الموحد الإذعان للتسليم والتضرع في التخلص والتجؤه إلى السميع العليم، أنس تعالى أحب عباده إليه وأعظمهم منزلة لديه، وذكر له ما منحه من تقريبه واجتبائه وجمع خير الدارين له فقال تعالى :﴿والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى وللآخرة خير لك من الأولى﴾ ثم عدد تعالى عليه نعمة بعد وعده الكريم له بقوله :﴿ولسوف يعطيك ربك فترضى﴾ وأعقب ذلك بقوله :﴿فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر﴾ سأل، وقد حاشها سبحانه عما نهاه عنه ولكنه تذكير بالنعم وليستوضح الطريق من وفق من أمة محمد ﷺ، أما هو ﷺ فحسبك من تعرف رحمته ورفقه ﴿وكان بالمؤمنين رحيماً﴾ [الأحزاب : ٤٣] ﴿عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم﴾ [التوبة : ١٢٨] ثم تأمل استفتاح هذه السورة ومناسبة ذلك المقصود ولذلك السورة قبلها برفع القسم في الأولى بقوله :﴿والليل إذا يغشى﴾ [الليل : ١] تنيبهاً على إبهام الأمر في السلوك على المكلفين وغيبة حكم العواقب، وليناسب هذا حال المتذكر بالآيات وما يلحقه من الخوف مما أمره غائب عنه من تيسيره ومصيره واستعصامه به يحصل اليقين واستصغار درجات المتقين، ثم لما لم يكن هذا غائباً بالجملة عن آحاد المكلفين أعني ما يثمر العلم اليقين ويعلي من أهل للترقي في درجات المتقين، بل قد يطلع سبحانه خواص عباده - بملازمته التقوى والاعتبار - على واضحة السبيل ويريهم مشاهدة وعياناً ما قد انتهجوا قبل سبيله بمشقة النظر في الدليل، قال ﷺ لحارثة :"وجدت فالزم" وقال مثله للصديق، وقال تعالى :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٥٢


الصفحة التالية
Icon