يتمه من الأبوين قبل بلوغه لئلا يكون عليه - كما قال جعفر الصادق - حق لمخلوق، فقال مقرراً له :﴿ألم يجدك﴾ أي يصادفك أي يفعل بك فعل من صادف آخر حال كونه ﴿يتيماً فآوى *﴾ ولما كان يلزم من اليتم في الغالب عدم العلم لليتيم لتهاون الكافل، ومن عدم العلم الضلال، قالمبيناً أن يتمه وإهماله من الحمل على دينهم كان نعمة عظيمة عليه لأنه لم يكن على دين قومه في حين من الأحسان أصلاً :﴿ووجدك﴾ أي صادفك ﴿ضالاً﴾ أي لا تعلم الشرائع ﴿ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان﴾ [الشورى : ٥٢] فأطلق اللازم وهو الضلال على الملزوم، والمسبب على السبب، وهو عدم العلمن فكنت لأجل ذلك لا تقدم على فعل من الأفعال لأنك لا تعلم الحكم فيه إلا ما عملت بالعقل الصحيح والفطرة السليمة المستقيمة من التوحيد وبعض توابعه، وهذا هو التقوى كما تقدم في الفاتحة، ولم يرد به حقيقته وإنما أعراث من التعلق بشيء من الشرائع ونحوها بإعدام من يحمله على ذلك ليفرغه ذلك التأمل بنفسه فيوصله بعقله السديد إلى الاعتقاد الحق في الأصول والوقوف في الفروع ﴿فهدى *﴾ أي فهداك هدى محيطاً بكل علم، فعلمك بالوحي والإلهام والتوفيق للنظر ما لم تكن تعلم.
ولما كان العيال يمنعون من التفرغ لعلم أو غيره قال :﴿ووجدك﴾ أي حال كونك ﴿عائلاً﴾ أي ذا عيال لا تقدر على التوسعة عليهم أو فقيراً، قال ابن القطاع : عال الرجل : افتقر، وأعال : كثر عياله.
﴿فأغنى *﴾ بما جعل لك من ربح التجارة ثم من كسب الغنائم وقد أفهم ذلك أن الناس أربعة أقسام : منهم من وجد الدين والدنيا، ومنهم من عدمهما، ومنهم من وجد الدين لا وجد الدنيا، ومنهم من وجد الدنيا لا الدين.