اجتمعوا فلم يؤمن منهم من يعد خلافته لباقيتهم تفرقاً لكونه قليلاً من كثير، فلذلك أدخل الجارّ فقال :﴿إلا من بعد﴾ وكان ذلك الزمن اليسير هو بإسلام من أسلم من قبائل العرب الذين كانوا قد أطبقوا على النصرانية من تنوخ وغسان وعاملة وبكر بن وائل وعبد القيس ونحوهم وكذا من كان تهود من قبائل اليمن وأسلم، ثم أطبق اليهود والنصارى على الضلال فلم يسلم منه إلى من لا يعد لقلته مفرقاً لهم ﴿ما﴾ أي الزمن الذي ﴿جاءتهم﴾ فيه أو مجيء ﴿البينة *﴾ فكان حالهم كما قال سبحانه ﴿وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به﴾ [البقرة : ٨٩] وقد كان مجيء البينة يقتضي اجتماعهم على الحق، لا تفرقهم فيه، وكأنه أشار إلى المشركين بالعاطف ولم يصرح بذكرهم لأنهم كانوا عكس أهل الكتاب لم يتفرقوا إلا زمناً يسيراً في أول الأمر، فكان الضال منهم أكثر، ثم أطبقوا على الهدى لما لهم من قويم الطبع ومعتدل المزاج، فدل ذلك على غاية العوج لأهل الكتاب على أن وقوع اللدد من العلم أولى من المشركين بالاجتماع على الهدى، ودل ذلك على أن وقوع اللدد والعناد من العالم أكثر، وحصوله الآفة لهم من قوة ما لطباعهم من كدر النقص بتربيته وتنميته بالمعاصي من أمل السحت من الربا وغيره من الكبائر والتسويف بالتوبة، فألفت ذلك أبدانهم فأشربته قلوبهم حتى تراكم ظلامها، وتكاثف رينها وغمامها، فلما دعوا لم يكن عندهم شيء من نور تكون لهم به قابلية الانقياد للدعاء.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٥
ولما كان حال من ضل على علم أشنع، زاد في فضيحتهم فقال :﴿وما﴾ أي فعلوا ذلك والحال أنهم ما.


الصفحة التالية
Icon