ولما كان المقصود بروز الأمر المطاع، لا تعيين الآمر، قال بعد وصف الصحف بأنه ثبت أنها قيمة بانياً للمفعول :﴿أمروا﴾ أي وقع أمرهم بما أمروا به ممن إذا أطلق الأمر لم يستحق أن ينصرف إلا إليه، في تلك الكتب التي وجب ثبوت اتباعها وأذعنوا له ﴿إلا ليعبدوا﴾ أي لأجل أن يعبدوا ﴿الله﴾ أي الإله الذي له الأمر كله ولا أمر لأحد غيره بأن يوجدوا عبادته ويجددوها في كل وقت، والعبادة والامتثال أمر الله تعالى كما أمر على الوجه المأمور به من أجل أنه آمر، مع المبادر بغاية الحب
٤٩٨
والخضوع والتعظيم، وذلك مع الاقتصاد لئلا يمل الإنسان فيخل أو يحصل له الإعجاب فتفسد عبادته، حال كونهم ﴿مخلصين﴾ أي ثابتاً غاية الثبات إخلاصهم ﴿له الدين﴾ بحيث لا يكون فيه شوب شيء مما يكدره من شرك جلي ولا خفي بأن يكون الامتثال لكونه أمر لرضاه لا لشي من نفع ولا دفع، ويكون ذلك على الصواب، فإن كثيراً من العاملين يكون خلصاً، ويكون بناؤه بغير أساس صالح، فلا ينفعه بل يكون وبالاً عليه، فإنه ضيع الأصل كالرهبان وكذا كثير ممن يعتقد ولاية شخص وهو لا يعرف أن يميز بين الولي والعدو والمكرم والمستدرج، وحقيقة الإخلاص بأنه إفراد الحق في الطاعة بالقصد مع نسيان الخلق في الأعمال والتوصل إليه بالتوقي من ملاحظتهم مع التنقي عن مطالعة النفس برؤية العبد نفسه عبداً مأموراً لا يريد ثواباً، جاعلاً كل شيء وسيلة إلى الله، وعلامته عدم رؤية العمل، ويعرف ذلك بالخوف وعدم الالتفات إلى طلب الثواب، وبالحياء منه لكونه يرى أنه ما قام بحق السيد على ما ينبغي كما قال تعالى :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٨


الصفحة التالية
Icon