﴿يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون﴾ [المؤمنون : ٦٠] قال القشيري : ويقال : الإخلاص تصفية العمل من الخلل، وقال الرازي : الإخلاص النية الصافية لأن النية دائمة، والعمل ينقطع، والعمل يحتاج إلى النية، والنية لا تحتاج إلى العمل، ولأجل ما أفهمه التعبير بالاسم من التمكن والثبات أكده بقوله :﴿حنفاء﴾ أي في غاية الميل مع الدليل إلى القوم بحيث لا يكون عندهم اعوجاج أصلاً، بل مهما حصل أدنى زيغ عرضوه على الدليل فمالوا معه بما لهم من الحنف فقادهم إلى الصلاح فصاروا في غاية الاستقامة، وتلك هي العبادة الإحسانية، وأصل الحنف في اللغة : الميل، قال الملوي : وخصه العرف بالميل إلى الخير، ولذا سمي الأحنف بن قيس لميل في رجليه إلى داخل من جهة القدام إلى الوراء، وسموا الميل إلى الشر إلحاداً، فالحنيف المطلق الذي يكون متبرئاً عن أصول الملل الخمس : اليهود والنصارى والصابئين والمجوس والمشركين، وعن فروعها من جميع النحل إلى الاعتقادات الحقة، وعن توابعها من الخطايا والسيئات إلى العمل الصالح وهو مقام التقى، وعن المكروهات إلى المستحبات وهو المقام الأول من الورع، وعن الفضول شفقة على خلق الله وهو المقام الثاني من الورع، وعما يجر إلى الفضول وهو مقام الزهد، فالآية جامعة لمقامي الإخلاص الناظر أحدهما إلى الحق، والثاني إلى الخلق، فالإخلاص لمقام المشتغل بالمصفى له لأنه إفراد الحق بالقصد في الطاعة، والخوف لمقام المشتغل بالمصفى منه لأنه الميل عن سائر المخلوقات إلى الله تعالى وإلى ما يرضه.
ولما ذكر أصل الدين، أتبعه الفروع، فبدأ بأعظمها الذي هو مجمع الدين وموضع
٤٩٩
التجرد عن العوائق فقال :﴿ويقيموا﴾ أي يعدلوا من غير اعوجاج ما، بجميع الشرائط والأركان والحدود ﴿الصلاة﴾ لتصيرة بذلك أهلاً لأن تقوم بنفسها، وهي التعظيم لأمر الله تعالى.