ولما ذكر صلة الخالق، أتبعها وصلة الخلائق فقال :﴿ويؤتوا الزكاة﴾ أي بأن يحضروها لمستحقيها على خلق الله إعانة على الدين، ولكنهم حرفوا ذلك وبدلوه بطباعهم المعوجة، وتدخل الزكاة عند أهل الله في كل ما رزق الله من عقل وسمع وبصر ولسان ويد ورجل ووجاهة وغير ذلك - كما هو واضح من قوله تعالى :﴿ومما رزقناهم ينفقون﴾ [البقرة : ٣ - والأنفال :- ٣].
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٨
ولما كان هذا ديناً حسناً بيناً فضلوا عنه على ما عندهم من الأدلة، زاد في توبيخهم بمدحه فقال :﴿وذلك﴾ أي والحال أن هذا الموصوف من العبادة على الوجه المذكور الذي هو في غاية العلو والخير ﴿دين القيمة *﴾ أي الملة أو النفوس أو الكتب التي لا عوج فيها، وهو على الأول من إضافة الموصوف إلى الصفة، وعن الخليل أنه قال : هو جمع قيم، والقيم والقائم واحد، والمعنى دين القائمين لله تعالى بالتوحيد، ودل على ما قدرته في أمر المشركين بذكرهم في نتيجة ما مضى في قوله مؤكداً لاجل إنكارهم :﴿إن الذين كفروا﴾ أي وقع منهم الستر لمرائي عقولهم بعد صرفها للنظر الصحيح فضلوا واستمروا على ذلك وإن لم يكونوا عريقين فيه ﴿من أهل الكتاب﴾ أي اليهود والنصارى ﴿والمشركين﴾ أي العريقين في الشرك، ودل بالإتيان بالوصف هنا والفعل في أولئك - والله أعلم - على أن المشرك يرجع عن شركه ويؤمن إن لم يكن عريقاً في الشرك بخلاف أهل الكتاب متى تلبس أحد منهم بكفر لا يرجع عنه وإن كان تلبسه به على أضعف الوجوه، وكذا كل من ينسب إلى علم ولا سيما إن كان بليداً متى عرضت له شبهة بعد رجوعه عنها، فلذلك جميع بينهم في قوله :﴿خالدين فيها﴾ أي يوم القيامة أو في الحال لسعيهم في موجباتها، واشتراك الفريقين في جنس العذاب لا يوجب التساوي في النوع بل يختلف بحسب اشتداد الكفر وخفته.