ولما كان معظم السياق للعبادة والترغيب فيها من القراءة والسجود والانفكاك عن الكفر، لم يذكر التأبيد بلفظه، بل اكتفى بما دل عليه وقال في نتيجة ما مضى :﴿أولئك﴾ أي البعداء البغضاء ﴿هم﴾ أي خاصة بما لضمائرهم من الخبث ﴿شر البرية *﴾ أي الخليقة الذين أهملوا إصلاح أنفسهم، وفرطوا في حوائجهم ومآربهم، وهذا نار لأرواحهم حين ينادى عليهم به.
٥٠٠
ولما ذكر الأعداء وبدأ بهم، لأن السياق لذم من جمد من المألوف وترك المعروف، أتبعه الأولياء فقال مؤكداً لما للكفار من الإنكار :﴿إن الذين آمنوا﴾ أي أقروا بالإيمان من الخلق كلهم الملائكة وغيرهم ﴿وعملوا﴾ أي تصديقاً لإيمانهم ﴿الصالحات﴾ أي هذا النوع، ولما كان نعيم القلب أعظم، قدمه على نعيم البدن إبلاغاً في مدحهم فقال :﴿أولئك﴾ أي العالو الدرجات ﴿هم﴾ أي خاصة ﴿خير البرية *﴾.
ولما خصصهم بالخيرية، ذكر ثوابهم، فقال ذاكراً جنة أبدانهم معظماً لهم بالتعبير عن إنعامه عليهم بلفظ الجزاء المؤذين بأنه مقابلة ما وصفوا به :﴿جزاؤهم﴾ أي على طاعاتهم، وعظمه بقوله :﴿عند ربهم﴾ إليهم المربي لهم وأي المحسن ﴿جنات عدن﴾ أي إقامة لا تحول عنها ﴿تجري﴾ أي جرياً دائماً لا انقطاع له.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٨
ولما كان عموم الماء مانعاً من تمام اللذة، قرب وبعض بقوله :﴿من تحتها﴾ أي تحت أرضها وغرفها وأشجارها ﴿الأنهار﴾.
ولما كانت اللذة لا تكمل إلا بالدوام قال :﴿خالدين فيها﴾ ولما كان النظر إلى الترغيب في هذا السياق أتم حثاً على اتباع الدليل المعروف، والمفارقة للحال المألوف، أكد معنى الخلود تعظيماً لجزائهم بقوله :﴿أبداً﴾.
ولما كان هذا كله ثمرة الرضا، وكان التصريح به أقر للعينه لأنه جنة الروح، قال مستأنفاً أو معللاً :﴿رضي الله﴾ أي لما له مننعوت الجلال والجمال ﴿عنهم﴾ أي بما كان سبق لهم من العناية والتوفيق.