ولما كان الإنسان إذا رأى هذا عجب له ولم يدرك سببه لأنه أمر عظيم فظيع يبهر عقله ويضيق عنه ذرعه، عبر عنه بقوله :﴿وقال الإنسان﴾ أي هذا النوع الصادق بالقليل والكثير لما له من النسيان لما تأكد عنده من أمر البعث بما له من الأنس بنفسه والنظر في عطفه، على سبيل التعجب والدهش أو الحيرة، ويجوز أن يكون القائل الكافر كما يقول :﴿من بعثنا من مرقدنا﴾ [يس : ٥٢] فيقول له المؤمن :﴿هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون﴾ [يس : ٥٢] ﴿ما لها *﴾ أي أيّ شيء للأرض في هذا الأمر الذي لم يعهد مثله.
٥٠٥
ولما طال الكلام وأريد التهويل، أبدل من " إذا " قوله معرفاً للإنسان ما سأل عنه :﴿يومئذ﴾ أي إذ كان ما ذكر من الزلزال وما لزم عنه ونصبه وكذا ما أبدل منه بقوله :﴿تحدث﴾ أي الأرض بلسان الحال بإخراج ما في بطنها من الموتى والكنوز وغيرها على وجه يعلم الإنسان به لم زلزلت ولم أخرجت، وأن الإنذار بذلك كان حقاً، وقال ابن مسعود رضي الله عنه : تحدث بلسان المقال.
﴿أخبارها *﴾ أي التي زلزلت وأخرجت ما أخرجت لأجلها، وكل شيء عمل عليها شهادة منها على العاملين فتقول : عمل فلان كذا وكذا - تعدد حتى يود المجرم أنه يساق إلى النار لينقطع عنه تعداد ذلك الذي يلزم منه العار، وتشهد للمؤمن بما عمل حتى يسره ذلك، فيشهد للمؤذن كل ما امتد إليه صوته من رطب ويابس.
ولما كان من المقرر أنه لا يكون شيء إلا بإذنه تعالى، وكان قد بنى الأفعال لما لم يسم فاعله، فكان الجاهل ربما خفي عليه فاعل ذلك قال :﴿بأن﴾ أي تحدث بسبب أن ﴿ربك﴾ أى المحسن إليك بإحقاق الحق وإزهاق الباطل لإعلاء شأنك ﴿أوحى﴾ وعدل عن حرف النهاية إيذاناً بالإسراع في الإيحاد فقال :﴿لها *﴾ أي بالإذن في التحديث المذكور بالحال أو المقال.