ولما كان من العجائب أن يكفر أحد إحسان المنعم، وهو شاهد على نفسه، ذكر الحامل له على ذلك حتى هان عليه فقال :﴿وإنه﴾ أي الإنسان من حيث هو مع شهادته على نفسه بالكفر الذي يقتضي سلب النعم ﴿لحب﴾ أي لأجل حب ﴿الخير﴾ أي المال الذي لا يعد غيره لجهله خيراً ﴿لشديد *﴾ أي بخيل بالمال ضابط له ممسك عليه، أو بليغ القوة في حبه لأن منفعته في الدنيا وهو متقيد بالعاجل الحاضر المحسوس مع علمه بأن أقل ما فيه أنه يشغله عن حسن الخدمة لربه وهو معرض عن الدين حيث كانت منفعته آجلة غائبة مع علمه بأن المعرّف بما يرضى من خدمة ربه الحاث عليها الداعي إليها فهو لحب عبادة الله ضعيف متقاعس، وكان حبه الخير يقتضي عنه الشكر الذي يتقاضى الزيادة، ولا يتخيل أن شديداً عامل في الحب لأن ما بعد اللام لا يعمل فيها قبلها، وإنما ذلك المتقدم دليل على المعمول المحذوف.
ولما كان المال فانياً لا ينبغي لعاقل أن يعلق أمله به فضلاً عن أن يؤثرة الباقي، نبهه على ذلك بتهديد بليغ، فقال مسبباً عن ذلك معجباً، موقفاً له على ما يؤول إليه أمره :﴿أفلا يعلم﴾ أي هذا الإنسان الذي أنساه أنسه بنفسه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٠٨
ولما كان الحب أمراً قلبياً، لا يطلع عليه إلا عالم الغيب، وكان البعث من عالم الغيب، وكان أمراً لا بد منه، وكان المخوف مطلق كونه، لم يحتج إلى تعيين الفاعل، فبنى للمفعول قوله مهدداً مؤذناً بأنه شديد القدرة على إثارة الخافايا، معلقاً بما يقدره ما يؤول إليه أمره من أن الله يحاسبه ويجازيه على أعماله، وأنه لا ينفعه مال ولا غيره، ولا ينجيه إلا ما كان من أعماله موافقاً لأمر ربه مبنياً على أساس الإيمان واقعاً بالإخلاص :﴿إذا بعثر﴾ أي أثير بغاية السهورة وأخرج وفرق ونظر وفتش بغاية السهولة.


الصفحة التالية
Icon