سورة القارعة
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥١٢
لما ختم العاديات بالبعث ذكر صيحته فقال :﴿القارعة *﴾ أي الصيحة أو القيامة، سميت بها لأنها تقرع أسماع الناس وتدقعها دقاً شديداً عظيماً مزعجاً بلأفزع، والأجرام الكثيفة بالتشقق والانفطار، والأشياء الثابتة بالانتثار.
ولما كانت تفوق الوصف في عظم شأنها وجليل سلطانها، عبر عن ذلك وزاده عظماً بالإلهام والإظهار في موضع الإضمار مشيراً بالاستفهام إلى أنها مما يستحق السؤال عنه على وجه التعجيب والاستعظام فقال :﴿ما القارعة﴾ وأكد تعظيمها إعلاماً - بأنه مهما خطر ببالك من عظمها فهي أعظم منه فقال :﴿وما أدراك﴾ أي وأيّ شيء أعلمك وإن بالغت في التعرف، وأظهر موضع الإضمار لذلك فقال :﴿ما القارعة *﴾ أي أنك لا تعرفها لأنك لم تعهد مثله.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما قال الله سبحانه وتعالى :" أفلا يعلم إذا بعثر في القبور وحصل ما في الصدور " كان ذلك مظنة لأن يسأل : متى ذلك ؟ فقيل : يوم القيامة الهائل الأمر، الفظيع الحال، الشديد البأس، والقيامة هي القارعة، وكررت
٥١٣
تعظيماً لأمرها كما ورد في قوله تعالى ﴿الحاقة ما الحاقة﴾ [الحاقة : ١ - ٢] وفي قوله سبحانه :﴿فغشيهم مناليم ما غشيهم﴾ [طه : ٧٨] ثم زاد عظيم هوله إيضاحاً بقوله تعالى ﴿يوم يكون الناس كالفراش المبثوث﴾ والفراش ما تهافت في النار من البعوض، والمبثوث : المنتشر ﴿وتكون الجبال كالعهن المنفوش﴾ والعهن : الصوف المصبوغ، وخص لإعداده للغزل إذ لا يصبغ لغيره بخلاف الأبيض فإنه - لا يلزم فيه ذلك، ثم ذكر حال الخلق في الأعمال وصيرورة كل فريق إلى ما كتب له وقدر - انتهى.