ولما ألقى السامع جميع فكره إلى تعرف أحواله، قال ما تقديره : تكون ﴿يوم تكون﴾ أي كوناً كأنه جبلة ﴿الناس﴾ أي الذين حالهم النوس على كثرتهم واختلاف ذواتهم وأحوالهم ومراتبهم ومقاديرهم وانتشارهم بعد بعثرة القبور وتحصيل ما في الصدور ﴿كالفراش﴾ أي صغار الجراد لأنها تتفرش وتتهافت على النار، أو هو طير غير ذلك لا دم له، يتساقط في النار وليس ببعوض ولا ذباب، وقال حمزة الكرماني : شبههم بالفراش التي تطير من هنا ومن هنا ولا تجري على سمت واحد وهي همج يجتلبها السراج، وقال غيره : وجه الشبه الكثرة والانتشار والضعف والذلة والتطاير إلى الداعي من كل جانب كما تتطاير الفراش، وكثرة التهافت في النار وركوب بعضهم بعضاً - وموج بعضهم في بعض من شدة الهول كما قال تعالى ﴿كأنهم جراد منتشر﴾ [القمر : ٧] ﴿المبثوث *﴾ أي المنتشر المتفرق.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥١٣
ولما كانت الجبال أشد ما تكون، عظم الرهبة بالإخبار بما يفعل بها فقال تعالى :﴿وتكون الجبال﴾ على ما هي عليه من الشدة والصلابة وأنها صخور راسخة ﴿كالعهن﴾ أي الصوف المصبغ لأنها ملونة كما قال تعالى :﴿ومن الجبال جدد بيض وحمر﴾ [فاطر : ٢٧] أي وغير ذلك ﴿المنفوش *﴾ أي المندوف المفرق الأجزاء الذي ليس هو بمتلبد شيء منه على غيره، فتراها لذلك متطايرة في الجو كالهباء المنثور حتى تعود الأرض كلها لا عوج فيها ولا أمتاً.
ولما كان اليوم إنما يوصف لأجل ما يقع فيه، سبب عن ذلك قوله مفصلاً لهم :﴿فأما من ثقلت﴾ أي بالرجحان.


الصفحة التالية
Icon